الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل الخامس : بر آله ، وذريته ، وأمهات المؤمنين

          ومن توقيره - صلى الله عليه وسلم - ، وبره ، بر آله ، وذريته ، وأمهات المؤمنين أزواجه ، كما حض عليه - صلى الله عليه وسلم - ، وسلكه السلف الصالح - رضي الله عنهم - .

          قال الله - تعالى - : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت [ الأحزاب : 33 ] الآية .

          وقال - تعالى - : وأزواجه أمهاتهم [ الأحزاب : 6 ] .

          [ أخبرنا الشيخ أبو محمد بن أحمد العدل من كتابه ، وكتبت من أصله : حدثنا أبو الحسن المقرئ الفرغاني ، حدثتني أم القاسم بنت الشيخ أبي بكر الخفاف ، قالت : حدثني أبي ، حدثنا حاتم هو ابن عقيل ، حدثنا يحيى هو ابن إسماعيل ، حدثنا يحيى هو الحماني ، حدثنا وكيع ، عن أبيه ، عن سعيد بن مسروق ، عن يزيد بن حيان ، ] عن زيد بن أرقم رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنشدكم الله أهل بيتي . . . ثلاثا .

          قلنا لزيد : من أهل بيته ؟ قال : آل علي ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وآل العباس .

          وقال - صلى الله عليه وسلم - : إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما .

          وقال - صلى الله عليه وسلم - : معرفة آل محمد - صلى الله عليه وسلم - براءة من النار ، وحب آل محمد جواز على الصراط ، والولاية لآل محمد أمان من العذاب .

          قال بعض العلماء : معرفتهم هي معرفة مكانهم من [ ص: 407 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإذا عرفهم بذلك عرف وجوب حقهم ، وحرمتهم بسببه .

          وعن عمر بن أبي سلمة : لما نزلت : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت [ الأحزاب : 33 ] ، وذلك في بيت أم سلمة دعا فاطمة ، وحسنا ، وحسينا ، فجللهم بكساء ، وعلي خلف ظهره ، ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيرا .

          وعن سعد بن أبي وقاص : لما نزلت آية المباهلة دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا ، وحسنا ، وحسينا ، وفاطمة ، وقال : اللهم هؤلاء أهلي .

          وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في علي : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم ، وال من والاه ، وعاد من عاداه .

          وقال فيه : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق .

          وقال للعباس : والذي نفسي بيده ، لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله [ ص: 408 ] ورسوله . ومن آذى عمي فقد آذاني ، وإنما عم الرجل صنو أبيه .

          وقال للعباس : اغد علي يا عم مع ولدك ، فجمعهم ، وجللهم بملاءته ، وقال : هذا عمي ، وصنو أبي ، وهؤلاء أهل بيتي ، فاسترهم من النار كستري إياهم فأمنت أسكفة الباب ، وحوائط البيت : آمين . آمين .

          وكان يأخذ أسامة بن زيد ، والحسن ، ويقول : اللهم إني أحبهما فأحبهما .

          وقال أبو بكر رضي الله عنه : ارقبوا محمدا في أهل بيته .

          وقال أيضا : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي أن أصل من قرابتي .

          وقال - صلى الله عليه وسلم - : أحب الله من أحب حسنا ، .

          وقال : من أحبني ، وأحب هذين ، وأشار إلى حسن ، وحسين ، وأباهما ، وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة .

          وقال - صلى الله عليه وسلم - : من أهان قريشا أهانه الله .

          وقال - صلى الله عليه وسلم - : قدموا قريشا ، ولا تقدموها .

          وقال - صلى الله عليه وسلم - لأم سلمة : لا تؤذيني في عائشة .

          وعن عقبة بن الحارث : رأيت أبا بكر - رضي الله عنه - ، وجعل [ ص: 409 ] الحسن على عنقه ، وهو يقول : بأبي شبيه بالنبي ، ليس شبيها بعلي ، وعلي - رضي الله عنه - يضحك .

          وروي عن عبد الله بن حسن بن حسين ، قال : أتيت عمر بن عبد العزيز في حاجة ، فقال لي : إذا كانت لك حاجة فأرسل إلي أو اكتب ، فإني أستحي من الله أن يراك على بابي .

          وعن الشعبي قال : صلى زيد بن ثابت على جنازة أمه ، ثم قربت له بغلته ليركبها ، فجاء ابن عباس ، فأخذ بركابه ، فقال زيد : خل عنه يا ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال : هكذا نفعل بالعلماء . فقبل زيد يد ابن عباس ، وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا .

          ورأى ابن عمر محمد بن أسامة بن زيد ، فقال : ليت هذا عبدي ، فقيل له : هو محمد بن أسامة . فطأطأ ابن عمر رأسه ، ونقر بيده الأرض ، وقال : لو رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأحبه .

          وقال الأوزاعي : دخلت بنت أسامة بن زيد صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عمر بن عبد العزيز ، ومعها مولى لها يمسك بيدها ، فقام لها عمر ، ومشى إليها حتى جعل يدها بين يديه ، ويداه في ثيابه ، ومشى بها حتى أجلسها على مجلسه ، وجلس بين يديها ، وما ترك لها حاجة إلا قضاها .

          [ ص: 410 ] ولما فرض عمر بن الخطاب لابنه عبد الله في ثلاثة آلاف ، ولأسامة بن زيد في ثلاثة آلاف وخمسمائة قال عبد الله لأبيه : لم فضلته ، فوالله ما سبقني إلى مشهد ؟ فقال له : لأن زيدا كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبيك ، وأسامة أحب إليه منك ، فآثرت حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حبي .

          وبلغ معاوية أن كابس بن ربيعة يشبه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما دخل عليه من باب الدار قام عن سريره ، وتلقاه ، وقبل بين عينيه ، وأقطعه المرعاب لشبهه صورة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

          وروي أن مالكا - رحمه الله - لما ضربه جعفر بن سليمان ، ونال منه ما نال ، وحمل مغشيا عليه دخل عليه الناس فأفاق ، فقال : أشهدكم أني جعلت ضاربي في حل .

          فسئل بعد ذلك ، فقال : خفت أن أموت ، فألقى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأستحي منه أن يدخل بعض آله النار بسببي .

          وقيل : إن المنصور أقاده من جعفر ، فقال له : أعوذ بالله ! ، والله ما ارتفع منها سوط عن جسمي إلا وقد جعلته في حل لقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

          وقال أبو بكر بن عياش : لو أتاني أبو بكر ، وعمر ، وعلي لبدأت بحاجة علي قبلهما ، لقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أقدمه عليهما .

          وقيل لابن عباس : ماتت فلانة لبعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فسجد ، فقيل له : أتسجد هذه الساعة ؟ فقال : أليس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأيتم آية فاسجدوا وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ .

          [ ص: 411 ] وكان أبو بكر ، وعمر يزوران أم أيمن مولاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويقولان : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها .

          ولما وردت حليمة السعدية على النبي - صلى الله عليه وسلم - بسط لها رداءه ، وقضى حاجتها ، فلما توفي ، وفدت على أبي بكر ، وعمر فصنعا بها مثل ذلك .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية