الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما

عطف على قوله ومن قوم موسى أمة إلخ ، فإن ذلك التقطيع وقع في الأمة الذين يهدون بالحق .

والتقطيع شدة في القطع وهو التفريق ، والمراد به التقسيم ، وليس المراد بهذا الخبر الذم ، ولا بالتقطيع العقاب . لأن ذلك التقطيع منة من الله ، وهو من محاسن سياسة الشريعة الموسوية ، ومن مقدمات نظام الجماعة كما فصله السفر الرابع ، وهو سفر عدد بني إسرائيل وتقسيمهم ، وهو نظير ما فعل عمر بن الخطاب من تدوين [ ص: 143 ] الديوان ، وهم كانوا منتسبين إلى أسباط إسحاق ، ولكنهم لم يكونوا مقسمين عشائر لما كانوا في مصر ، ولما اجتازوا البحر ، فكان التقسيم بعد اجتيازهم البحر الأحمر ، وقبل انفجار العيون ، وهو ظاهر القرآن في سورة البقرة وفي هذه السورة لقوله فيهما قد علم كل أناس مشربهم وذكره هنا الاستسقاء عقب الانقسام إلى اثنتي عشرة أمة ، وذلك ضروري أن يكون قبل الاستسقاء ؛ لأنه لو وقع السقي قبل التقسيم لحصل من التزاحم على الماء ما يفضي إلى الضر بالقوم ، وظاهر التوراة أنهم لما مروا بحوريب ، وجاء شعيب للقاء موسى : أن شعيبا أشار على موسى أن يقيم لهم رؤساء ألوف ، ورؤساء مئات ، ورؤساء خماسين ، ورؤساء عشرات ، حسب الإصحاح 18 من الخروج ، وذلك يقتضي أن الأمة كانت منتسبة قبائل من قبل ، ليسهل وضع الرؤساء على الأعداد ، ووقع في السنة الثانية من خروجهم أن الله أمر موسى أن يحصي جميع بني إسرائيل ، وأن موسى وهارون جمعا جميع بني إسرائيل فانتسبوا إلى عشائرهم وبيوت آبائهم ، كما في الإصحاح الأول من سفر العدد ، وتقدم ذكر الأسباط عند قوله - تعالى - قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا في سورة البقرة .

وجيء باسم العدد بصيغة التأنيث في قوله اثنتي عشرة لأن السبط أطلق هنا على الأمة فحذف تمييز العدد لدلالة قوله أمما عليه .

و ( أسباطا ) حال من الضمير المنصوب في وقطعناهم ولا يجوز كونه تمييزا لأن تمييز اثنتي عشرة ونحوه لا يكون إلا مفردا .

وقوله ( أمما ) بدل من ( أسباطا ) أو من اثنتي عشرة وعدل عن جعل أحد الحالين تمييزا في الكلام إيجازا وتنبيها على قصد المنة بكونهم أمما من آباء إخوة ، وأن كل سبط من أولئك قد صار أمة قال - تعالى - واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم مع ما يذكر به لفظ أسباط من تفضيلهم لأن الأسباط أسباط إسحاق بن إبراهيم - عليه السلام - .

التالي السابق


الخدمات العلمية