الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1047 [ ص: 206 ] [ ص: 207 ] حديث خامس لعبد الله بن أبي بكر

مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الله بن واقد أنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثة أيام .

التالي السابق


قال عبد الله بن أبي بكر : فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن ، فقالت : صدق ، سمعت عائشة تقول : دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقي قالت : فلما كان بعد ذلك قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لقد كان الناس ينتفعون بضحاياهم ويحملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما ذاك أو كما قال ، قالوا : نهيت عن لحوم الضحايا بعد ثلاث ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم , فكلوا وتصدقوا وادخروا . يعني بالدافة قوما مساكين قدموا المدينة [ ص: 208 ] قال أبو عمر : عبد الله بن واقد هذا هو عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر تابعي ثقة شريف جليل ، سمع عبد الله بن عمر ، وأمه أمة الله بنت عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ، ومات عبد الله بن واقد في سنة سبع عشرة ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك .

قال أبو عمر : وأما قول عائشة رضي الله عنها في هذا الحديث " دف ناس " فمعناه عند أهل اللغة دف ناس إلينا وأتونا ، وأصله عندهم من دفيف الطائر إذا حرك جناحيه , ورجلاه في الأرض ، يقال في ذلك : دف الطائر يدف دفيفا ، وقال الخليل : والدافة قوم يدفون أي يسيرون سيرا لينا ، وتداف القوم إذا ركب بعضهم بعضا في قتال ، أو نحوه .

وأما قولها " حضرة الأضحى " فمعناه في وقت الأضحى ، وفي حين الأضحى .

وأما قوله : ويحملون من الودك فمعناه يذيبون منها الشحم ، والودك الشحم ، يقال منه : جملت الشحم وأجملته واجتملته أي أذبته ، والاجتمال الادهان بالجميل ، وهي الإهالة .

وأما قوله في هذا الحديث نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ، فقد بان في هذا الحديث الوجه ، والعلة التي من أجلها نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ، وأن ذلك إنما كان من أجل الدافة التي دفت عليهم من المساكين ليطعموهم ويواسوهم .

[ ص: 209 ] حدثنا إبراهيم بن شاكر ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان . وأخبرنا عبد العزيز بن عبد الرحمن ، حدثنا أحمد بن مطرف ، قالا : حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي ، حدثنا أحمد بن عبد الملك بن صالح ، حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة ، قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ، فلما كان في العام القابل وضحى الناس . قالت : قلت : يا رسول الله إن كانت هذه الأضاحي لترفق الناس كانوا يدخرون من لحومها وودكها ، قال : فما منعهم من ذلك ، قلت : يا نبي الله ، أولم تنههم عام الأول عن أن يأكلوا لحومها بعد ثلاث قال : إنما نهيت عن ذلك للحاضرة التي حضرتهم من أهل البادية ليبثوا لحومها فيهم ، فأما الآن فليأكلوا وليدخروا .

وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث فكلوا وادخروا وتزودوا , وقد ذكرنا الآثار بذلك في باب ربيعة من كتابنا هذا .

[ ص: 210 ] وتكلمنا على معاني هذا الحديث هناك بما يغني ، عن إعادته هاهنا وبالله توفيقنا .

أخبرنا خلف بن القاسم ، وعبد الله بن محمد بن أسد ، قالا : حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ، حدثنا بكر بن سهل ، والوليد بن العباس بن مسافر ، قالا : حدثنا أبو صالح ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث ، حدثني عبيد الله بن أبي جعفر ، عن أبي الأسود ، عن هشام بن عروة ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة أنها قالت في لحم الضحايا : كنا نصلح منه ويقدم فيه الناس إلى المدينة ، وقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام ليس بالعزيمة ، ولكن أراد أن يطعموا منه ، فهذا الحديث يبين لك معنى النهي عن أكل لحوم الضحايا أنه كان ندبا إلى الخير لا إيجابا .

وفي إسناد هذا الحديث رواية النظير عن النظير ، والكبير عن الصغير ، وعلى هذا كان السلف رضي الله عنهم أجمعين .




الخدمات العلمية