الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 461 ] 1000 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أفسدت المواشي شيئا من الزرع في الليل وفي النهار .

6156 - حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار ، حدثنا معاوية بن هشام ، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أمية ، وعبد الله بن عيسى ، عن الزهري ، عن حرام بن محيصة .

عن البراء : أن ناقة لآل البراء أفسدت شيئا ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن حفظ الثمار على أهلها بالنهار ، وضمن أهل الماشية ما أفسدت ماشيتهم بالليل .

[ ص: 462 ]

6157 - وحدثنا محمد بن سنان الشيزري ، حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ، حدثنا شعيب بن إسحاق ، عن الأوزاعي قال أخبرني الزهري ، عن حرام بن محيصة الأنصاري أنه أخبره .

أن البراء بن عازب كانت له ناقة ضارية قد دخلت حائطا فأفسدت فيه ، فكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن حفظ الحوائط على أهلها بالنهار ، وحفظ المواشي على أهلها بالليل ، وأن على أهل الماشية ما أصابت بالليل .

[ ص: 463 ]

6158 - وحدثنا محمد بن سنان الشيزري ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا بقية ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن حرام ، ثم ذكر مثله .

فكان في روايتي شعيب وبقية عن الأوزاعي هذا الحديث ما يدل على أنه لا تحقيق فيه لأخذ حرام إياه عن البراء ; لأنه قال : " أن " ، والفرق فيما بين " عن " و " أن " في الحديث أن معنى عن : على السماع حتى يعلم ما سواه ، وأن معنى أن : على الانقطاع حتى يعلم ما سواه .

[ ص: 464 ] ولما تضاد حديث الأوزاعي على ما ذكرنا لم يكن ما يوجب معنى من هذين الحديثين والمعنيين أولى مما يوجبه الآخر منهما فيه .

ثم رجعنا إلى رواية الأثبات في الزهري الذين لا أمثال لهم فيها لنقف على روايتهم إياه عنه كيف هي ؟

6159 - فوجدنا المزني قد حدثنا قال : حدثنا الشافعي ، عن مالك بن أنس ، [ عن الزهري ] ، عن حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء دخلت حائط رجل ، فأفسدت فيه ، ثم ذكر بقية الحديث .

6160 - ووجدنا المزني قد حدثنا قال : حدثنا الشافعي ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، وحرام بن سعد بن [ ص: 465 ] محيصة : أن ناقة للبراء دخلت حائط رجل فأفسدت فيه ، ثم ذكر بقية الحديث .

فعاد الحديث إلى الانقطاع كما رواه مالك وابن عيينة عليه عن الزهري ، وكان ما رواه عنه عبد الله بن عيسى ، وإسماعيل بن أمية ، عن الزهري ، وإن كان مقدارهما مقدارا جليلا لا يجب أن يضاد به ما رواه الحجة في الزهري مما يخالف ما روياه ، ثم تأملنا هذا الحديث ، فوجدنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وعلى أهل الماشية ما أفسدت مواشيهم بالليل ، فكان ذلك دليلا أن عليهم ضمان ما أصابت بالليل من الزرع ، ومن بني آدم وممن سواهم ; لأن من كان عليه حفظ شيء كان عليه ضمان ما يخرج من حفظه إلى الجناية عليه .

ووجدنا أهل العلم جميعا لا يختلفون أنه لا يجب على أهلها ما أصابت في الليل من بني آدم ، فظاهر الحديث يخالف ذلك ، فعقلنا بذلك أن هذا الحديث قد نسخه قول النبي صلى الله عليه وسلم العجماء جبار .

[ ص: 466 ] وما كان جبارا كان هدرا ، وهكذا يقول فيما أصابت المواشي أبو حنيفة وأصحابه ، فأما الحجازيون فعلى القول الأول ، والله تعالى الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية