الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      9 - سورة براءة .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : نزلت "براءة" بعد فتح مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة التوبة بالمدينة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال : أنزل بالمدينة سورة براءة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال : مما نزل في المدينة براءة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه، والنسائي ، وابن أبي داود، وابن الأنباري معا في "المصاحف"، وابن المنذر ، والنحاس في "ناسخه"، وابن حبان ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، والبيهقي في "الدلائل"، عن ابن عباس قال : قلت لعثمان بن عفان : ما حملكم أن عمدتم إلى "الأنفال" وهي من المثاني وإلى "براءة" وهي من المئين، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول : ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا . وكانت "الأنفال" من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت "براءة" من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها شبيهة [ ص: 223 ] بقصتها، فظننت أنها منها، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر : بسم الله الرحمن الرحيم . ووضعتهما في السبع الطوال .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والبخاري ، والنسائي ، وابن الضريس، وابن المنذر ، والنحاس في "ناسخه"، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن البراء قال : آخر آية نزلت : يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة وآخر سورة نزلت تامة "براءة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن أبي رجاء قال : سألت الحسن عن "الأنفال" و"براءة" أسورتان أو سورة؟ قال : سورتان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن أبي روق قال : "الأنفال" و"براءة" سورة واحدة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج النحاس في "ناسخه" عن عثمان قال : كانت الأنفال و"براءة" تدعيان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم القرينتين، فلذلك جعلتهما في [ ص: 224 ] السبع الطوال .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارقطني في "الأفراد" عن عسعس بن سلامة قال : قلت لعثمان : يا أمير المؤمنين، ما بال "الأنفال" و"براءة" ليس بينهما : بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال : كانت تنزل السورة، فلا تزال تكتب حتى تنزل : بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا جاءت : بسم الله الرحمن الرحيم كتبت سورة أخرى، فنزلت "الأنفال" ولم تكتب : بسم الله الرحمن الرحيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في "الأوسط" عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المنافق لا يحفظ سورة "هود" و"براءة" و"يس" و"الدخان" و"عم يتساءلون" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد ، وسعيد بن منصور ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في "الشعب"، عن أبي عطية الهمداني قال : كتب عمر بن الخطاب : تعلموا سورة "براءة" وعلموا نساءكم سورة "النور" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والطبراني في "الأوسط"، وأبو الشيخ ، والحاكم ، وابن مردويه ، عن حذيفة قال : التي تسمون سورة التوبة هي سورة العذاب، [ ص: 225 ] والله ما تركت أحدا إلا نالت منه، ولا تقرءون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن حذيفة في "براءة" يسمونها سورة "التوبة" وهي سورة العذاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : سورة "التوبة" . قال : التوبة! بل هي "الفاضحة"، ما زالت تنزل "ومنهم"، و"منهم"، حتى ظننا ألا يبقى منا أحد إلا ذكر فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عوانة، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، أن عمر قيل له : سورة "التوبة" . قال : هي إلى العذاب أقرب، ما أقلعت عن الناس حتى ما كادت تدع منهم أحدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال : قال عمر : ما فرغ من تنزيل "براءة" حتى ظننا أنه لم يبق منا أحد إلا سينزل فيه، وكانت تسمى "الفاضحة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن زيد بن أسلم ، أن رجلا قال لعبد الله : سورة "التوبة" . فقال ابن عمر : وأيتهن سورة "التوبة" : فقال : "براءة"، فقال ابن عمر : وهل فعل بالناس الأفاعيل إلا هي ما كنا ندعوها إلا المقشقشة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 226 ] وأخرج أبو الشيخ عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كانت "براءة" تسمى "المنقرة"؛ نقرت عما في قلوب المشركين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن الضريس، وأبو الشيخ ، عن حذيفة قال : ما تقرءون ثلثها يعني سورة "التوبة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : يسمونها سورة "التوبة"، وإنها لسورة عذاب . يعني "براءة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن محمد بن إسحاق قال : كانت "براءة" تسمى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم "المبعثرة"؛ لما كشفت من سرائر الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، والحاكم وصححه، والبيهقي في "سننه"، عن أبي ذر قال : دخلت المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلست قريبا من أبي بن كعب، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة "براءة"، فقلت لأبي : متى نزلت هذه السورة؟ فلم يكلمني، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قلت لأبي : سألتك فتجهمتني ولم تكلمني! فقال أبي : ما لك من صلاتك إلا ما لغوت . فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال : صدق أبي . [ ص: 227 ] وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي، أن أبا ذر والزبير بن العوام سمع أحدهما من النبي صلى الله عليه وسلم آية يقرأها وهو على المنبر يوم الجمعة، فقال لصاحبه : متى أنزلت هذه الآية؟ فلما قضى صلاته قال له عمر بن الخطاب : لا جمعة لك . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال : صدق عمر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" وضعفه عن جابر بن عبد الله قال : لما نزلت سورة "براءة" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بعثت بمداراة الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : سألت علي بن أبي طالب : لم لم تكتب في "براءة" : بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال : لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان، و"براءة" نزلت بالسيف .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : براءة من الله ورسوله . الآية . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين إلى أهل العهد؛ خزاعة ومدلج، ومن كان له عهد، وغيرهم، أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حين فرغ منها، فأراد الحج، ثم قال : إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة، فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك . فأرسل أبا بكر وعليا، فطافا في الناس بذي المجاز، وبأمكنتهم التي كانوا يبيعون بها، وبالموسم كله، فآذنوا أصحاب العهد أن يأمنوا أربعة أشهر، وهي الأشهر الحرم المنسلخات المتواليات؛ [ ص: 228 ] عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر تخلو من ربيع الآخر، ثم لا عهد لهم، وآذن الناس كلهم بالقتال إلى أن يموتوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد "المسند"، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن علي قال : لما نزلت عشر آيات من "براءة" على النبي صلى الله عليه وسلم، دعا أبا بكر ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني فقال لي : أدرك أبا بكر، فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه، فاقرأه على أهل مكة . فلحقته فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر، فقال : يا رسول الله، نزل في شيء؟ قال : لا ولكن جبريل جاءني فقال : لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي وحسنه، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن أنس قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم بـ "براءة" مع أبي بكر، ثم دعاه فقال : لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي . فدعا عليا فأعطاه إياه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن سعد بن أبي وقاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر بـ "براءة" إلى أهل مكة، ثم بعث عليا على أثره، فأخذها منه، فكأن أبا بكر وجد في نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 229 ] وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعد بن أبي وقاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليا بأربع : لا يطوفن بالبيت عريان، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى عهده، وأن الله ورسوله بريء من المشركين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والنسائي ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : كنت مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة بـ "براءة"، فكنا ننادي : إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فإن أجله - أو أمده - إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر، فإن الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، من طريق سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة ، أن أبا بكر أمره أن يؤذن بـ "براءة" في حجة أبي بكر بمكة، قال أبو هريرة : ثم أتبعنا النبي صلى الله عليه وسلم عليا، أمره أن يؤذن بـ "براءة"، وأبو بكر على الموسم كما هو - أو قال : على هيئته .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 230 ] وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر بسورة "التوبة"، وبعث عليا على أثره، فقال أبو بكر : يا علي، لعل الله ونبيه سخطا علي؟ فقال علي : لا، ولكن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل مني .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا بكر على الحج، ثم أرسل عليا بـ "براءة" على أثره، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم العام المقبل، ثم خرج فتوفي، فولي أبو بكر فاستعمل عمر على الحج، ثم حج أبو بكر قابل، ثم مات ثم ولي عمر فاستعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج، ثم كان يحج بعد ذلك هو حتى مات، ثم ولي عثمان فاستعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج، ثم كان يحج هو حتى قتل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن حبان، وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر يؤدي عنه "براءة"، فلما أرسله بعث إلى علي فقال : يا علي، إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو أنت . فحمله على ناقته العضباء، فسار حتى لحق أبا بكر، فأخذ منه "براءة"، فأتى أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخله من ذلك؛ مخافة أن يكون قد أنزل فيه شيء، فلما أتاه قال : ما لي يا رسول الله؟ قال : خير، أنت أخي وصاحبي في الغار، وأنت معي على الحوض، غير أنه لا يبلغ عني غيري، أو رجل مني .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 231 ] وأخرج ابن مردويه عن أبي رافع قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بـ "براءة" إلى الموسم، فأتى جبريل فقال له : إنه لن يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك . فبعث عليا في أثره، حتى لحقه بين مكة والمدينة، فأخذها فقرأها على الناس في الموسم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري ، ومسلم ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في "الدلائل" عن أبي هريرة قال : بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر، يؤذنون بمنى ألا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب، فأمره أن يؤذن بـ "براءة"، فأذن معنا علي في أهل منى يوم النحر بـ "براءة" ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي وحسنه، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، والبيهقي في "الدلائل"، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر، وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات، ثم أتبعه عليا، وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات، فانطلقا فحجا فقام علي في أيام التشريق فنادى : إن الله بريء من المشركين ورسوله، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ولا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن . فكان علي [ ص: 232 ] ينادي، فإذا أعيا قام أبو بكر فنادى بها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي وصححه، وابن المنذر ، والنحاس، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، والبيهقي في "الدلائل"، عن زيد بن يثيع قال : سألنا عليا : بأي شيء بعثت مع أبي بكر في الحج؟ قال : بعثت بأربع؛ لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مؤمن وكافر بالمسجد الحرام بعد عامه هذا، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج إسحاق بن راهويه، والدارمي، والنسائي ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في "الدلائل"، عن جابر، أن النبي بعث أبا بكر على الحج، ثم أرسل عليا بـ "براءة"، فقرأها على الناس في موقف الحج، حتى ختمها . [ ص: 233 ] وأخرج البيهقي في "الدلائل" عن عروة قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الناس سنة تسع، وكتب له سنن الحج، وبعث معه علي بن أبي طالب بآيات من "براءة"، فأمره أن يؤذن بمكة، وبمنى، وبعرفة، وبالمشاعر كلها، بأنه برئت ذمة الله وذمة رسوله من كل مشرك حج بعد العام، أو طاف بالبيت عريان، وأجل من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد أربعة أشهر، وسار علي على راحلته في الناس كلهم يقرأ عليهم القرآن : براءة من الله ورسوله وقرأ عليهم : يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن علي قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن بـ "براءة"، فقلت : يا رسول الله، تبعثني وأنا غلام حديث السن، وأسأل عن القضاء ولا أدري ما أجيب؟! قال : ما بد من أن تذهب بها أو أذهب بها . قلت : إن كان لا بد فأنا أذهب . قال : انطلق فإن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك . ثم قال : انطلق فاقرأها على الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : براءة من الله ورسوله الآية، قال : حد الله للذين عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشهر يسيحون فيها حيث شاؤوا، وحد أجل من ليس له عهد انسلاخ الأربعة الأشهر [ ص: 232 ] الحرم من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم خمسين ليلة، فإذا انسلخ الأشهر الحرم أمره أن يضع السيف في من عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام، ونقض ما سمى لهم من العهد والميثاق، وأذهب الميثاق، وأذهب الشرط الأول : إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام يعني أهل مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج النحاس في "ناسخه" عن ابن عباس قال : كان لقوم عهود، فأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤجلهم أربعة أشهر يسيحون فيها، ولا عهد لهم بعدها، وأبطل ما بعدها، وكان قوم لا عهود لهم، فأجلهم خمسين يوما؛ عشرين من ذي الحجة، والمحرم كله، فذلك قوله : فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قال : ولم يعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية أحدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس : براءة من الله ورسوله قال : برئ إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من عهودهم كما ذكر الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والنحاس، عن الزهري : فسيحوا في الأرض أربعة أشهر قال : نزلت في شوال، فهي الأربعة أشهر، شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم . [ ص: 235 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية