الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 478 ] 1002 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهيه عن الإقعاء في الصلاة ما هو ؟

6174 - حدثنا علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة .

عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التورك والإقعاء في الصلاة .

فلم يبين لنا ما الإقعاء المنهي عنه ؟ وقد وجدنا أهل العلم يختلفون فيه ; فطائفة منها - منهم أبو حنيفة - تقول في ذلك : [ ص: 479 ]

ما قد حدثنا أحمد بن عبد الله الكوفي ، حدثنا علي بن معبد ، حدثنا محمد بن الحسن ، عن أبي يوسف قال : قلت لأبي حنيفة : أتكره الإقعاء في الصلاة ؟ قال : نعم .

وكان ذلك الإقعاء عندهم هو جلوس الرجل على عقبيه في صلاته في أليتيه .

واحتجوا في ذلك .

6175 - بما قد حدثنا بكار ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، حدثنا إسرائيل بن يونس .

6176 - وما قد حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا الفريابي ، عن سفيان ، ثم اجتمعا ، فقالا ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث .

عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا علي ، إني أحب لك ما أحب لنفسي ، وأكره لك ما أكره لنفسي ، لا تقع على عقبيك في الصلاة .

[ ص: 480 ] وما قد وجدته في كتابي .

6177 - عن بحر بن نصر قال : حدثنا يحيى بن حسان ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد .

عن أبي هريرة قال : نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقعي في صلاتي إقعاء الذئب على العقبين ، وكان معنى قوله " على العقبين " مع تصحيح الحديث الذي قبله يرجع إلى عقبي أبي هريرة لا إلى الذئب ; لأن الذئب ليست له عقبان .

ففي هذا الحديث ما قد دل على ما قالوه في كيفية الإقعاء المنهي عنه ، وذكر أبو عبيدة أن أصحاب الحديث كانوا يقولون فيه : هو أن يضع الرجل أليتيه على الأرض ناصبا فخذيه ، فكان مما يحتج لهم من ذهب إلى ذلك .

6178 - بما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، حدثنا القاسم بن الفضل ، حدثنا أبو نضرة .

عن أبي سعيد الخدري قال : بينما راع يرعى بالحرة إذ نهز [ ص: 481 ] الذئب شاة ، فحال الراعي بين الذئب والشاة ، فأقعى الذئب على ذنبه ، فقال للراعي : ألا تتقي الله عز وجل ؟ تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي ! فقال الراعي : العجب من الذئب يقعي على ذنبه ويكلمني بكلام الإنس ! فقال الذئب للراعي : ألا أحدثك بأعجب مني ؟! رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق ، فساق الراعي شاءه إلى المدينة ، فزواها إلى زاوية من زواياها ، ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه بما قال الذئب ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس ، فقال للراعي : أخبر الناس بما رأيت ، فقام الراعي يحدث الناس بما قال الذئب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق الراعي ، ألا إن من أشراط الساعة كلام السباع الإنس ، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الناس ، ويكلم الرجل شراك نعله وعذبة سوطه ، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده .

[ ص: 482 ]

6179 - وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو عاصم ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن أبيه ، عن تميم بن محمود .

عن عبد الرحمن بن شبل قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب ، وإقعاء السبع ، وأن يوطن الرجل المكان في المسجد ، كما يوطن البعير .

فاستدلوا بذلك على أن الإقعاء المنهي عنه في الصلاة من بني آدم هو الذي قالوه فيه ، وكان ما جاءت به هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كيفية الإقعاء المذكور في هذه الآثار إقعاء من نهي عنها ، فلا ينبغي أن يفعل المصلي واحدا منهما في صلاته .

[ ص: 483 ] فإن قال قائل : فقد روي عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورضي عنهم أنهم كانوا يقعون في صلاتهم فذكر .

ما قد وجدته في كتابي عن بحر قال يحيى بن حسان : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عطية العوفي قال :

رأيت العبادلة يقعون في الصلاة ; عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير .

فقال قائل : فهؤلاء قد كانوا يفعلون ذلك في صلاتهم ، وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يراهم فلا ينهاهم عن ذلك .

فكان جوابنا له في ذلك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حجة الله تعالى [ ص: 484 ] على خلقه ، وقد يحتمل أن يكون هؤلاء العبادلة لم يبلغهم هذا النهي ، ولو بلغهم لما خالفوه ولا خرجوا عنه .

[ ص: 485 ] بعونه وتوفيقه تم الجزء الخامس عشر من بيان مشكل الآثار ، تصنيف الإمام أبي جعفر الطحاوي رحمه الله ، وبتمامه يتم الكتاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية