الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 2961 ] موسى بعد الغضب ينظم الدعوة للإيمان

                                                          ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون

                                                          كان الغضب أمرا عارضا لموسى بسبب أن قومه انتهكوا حمى التوحيد، وأشركوا بالله، ولم يغب عنهم إلا أربعين ليلة، فاستطالوها وعجلوا به مخالفين أمر ربهم، وبعد أن هدأ الغضب، إذ أقام أمر الله ونهيه، وقد كان سريع الفيئة كما روينا أي سريع الرضا، وكذلك شأن النبيين لا يلج بهم الغضب; حتى لا يشغلوا عن الدعوة إلى الحق الذي بعثهم الله تعالى لإقامته.

                                                          وقوله تعالى: ولما سكت عن موسى الغضب يدل على أنه عارض زال، فعاد الواجب قويا قائما بعد زواله أخذ الألواح وفي نسختها أي في المكتوب فيها، وهو الأصل الثابت الذي كتب بأمر الله تعالى، وكأنه - سبحانه وتعالى - هو الذي كتبه هدى ورحمة أي في نسختها الأصلية هدى ورحمة أي: [ ص: 2962 ] هداية إلى الحق في وسط دياجير الباطل والظلمات، ورحمة بشريعتها التي اشتملت عليها، فالشريعة في التوراة بأخذها على أيدي الظالمين وإقامة العدل يكون ذلك رحمة، فالعدل في ذاته رحمة، كما جاء في القرآن الكريم: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب

                                                          وإن هذه الهداية وتلك الرحمة إنما ينتفع بها الذين يرهبون الله تعالى ويخافونه، والذين يخافون الظلم ويجتنبونه، والذين في قلوبهم رأفة بالناس، ويخافون أن يؤذوهم ويتجنبون الأذى، ويخافون عذاب الله، ولذا قال تعالى: للذين هم لربهم يرهبون

                                                          أي: إن الهدى والرحمة للذين هم يخافون الله تعالى ويرهبون عذابه، فإنه مع رهبة رب العالمين يكون الاتعاظ والازدجار، والانتفاع بالهداية، وتلقي الرحمة واستحقاقها.

                                                          وقوله تعالى: للذين هم لربهم يرهبون فيه تأكيد لرهبتهم لله بعدة مؤكدات: أولها ضمير الفصل هم وثانيها: تقديم لربهم أنهم لا يرهبون إلا ربهم، ولا يخافون غيره، وثالثها: في قوله لربهم فاللام هنا تفيد زيادة الرهبة، إذ إن يرهبون تتعدى بنفسها دون اللام، فذكر اللام لتقوية التعدي، أي: لتقوية الرهبة، وهكذا لا ينتفع بما اشتملت عليه من الهداية إلى الطريق، والرحمة بالانتفاع بنظمها - إلا هؤلاء; لأن هذه الرحمة لا ينتفع بها إلا الذين يخافون الله تعالى، ويرجون ثوابه، ويخافون عذابه، فيكونون منه دائما على حذر، فينجون.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية