الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ أخذنا ميثاقكم : توبيخ من جهة الله (تعالى)؛ وتكذيب لهم في ادعائهم الإيمان بما أنزل عليهم؛ بتذكير جناياتهم الناطقة بكذبهم؛ أي: واذكروا حين أخذنا ميثاقكم؛ ورفعنا فوقكم الطور ؛ قائلين: خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا ؛ أي: خذوا بما أمرتم به في التوراة؛ واسمعوا ما فيها؛ سمع طاعة؛ وقبول؛ قالوا : استئناف مبني على سؤال سائل؛ كأنه قيل: فماذا قالوا؟ فقيل: قالوا سمعنا ؛ قولك؛ وعصينا ؛ أمرك؛ فإذا قابل أسلافهم مثل ذلك الخطاب المؤكد؛ مع مشاهدتهم مثل تلك المعجزة الباهرة؛ بمثل هذه العظيمة الشنعاء؛ وكفروا بما في تضاعيف التوراة؛ فكيف يتصور من أخلافهم الإيمان بما فيها؟ وأشربوا في قلوبهم العجل : على حذف المضاف؛ وإقامة المضاف إليه مقامه؛ للمبالغة؛ أي: تداخلهم حبه؛ ورسخ في قلوبهم صورته؛ لفرط شغفهم به؛ وحرصهم على عبادته؛ كما يتداخل الصبغ الثوب؛ والشراب أعماق البدن؛ و"في قلوبهم": بيان لمكان الإشراب؛ كما في قوله (تعالى): إنما يأكلون في بطونهم نارا ؛ والجملة حال من ضمير "قالوا"؛ بتقدير "قد"؛ بكفرهم ؛ بسبب كفرهم السابق؛ الموجب لذلك؛ قيل: كانوا مجسمة؛ أو حلولية؛ ولم يروا جسما أعجب منه؛ فتمكن في قلوبهم ما سول لهم السامري. قل : توبيخا لحاضري اليهود؛ إثر ما تبين من أحوال رؤسائهم الذين بهم يقتدون في كل ما يأتون؛ وما يذرون؛ بئسما يأمركم به إيمانكم ؛ بما أنزل عليكم من التوراة؛ حسبما تدعون؛ والمخصوص بالذم محذوف؛ أي: ما ذكر من قولهم: سمعنا؛ وعصينا؛ وعبادتهم العجل؛ وفي إسناد الأمر إلى الإيمان تهكم بهم؛ وإضافة الإيمان إليهم للإيذان بأنه ليس بإيمان حقيقة؛ كما ينبئ عنه قوله (تعالى): إن كنتم مؤمنين ؛ فإنه قدح في دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم من التوراة ؛ وإبطال لها؛ وتقريره: إن كنتم مؤمنين بها؛ عاملين فيما ذكر من القول؛ والعمل بما فيها؛ فبئسما يأمركم به إيمانكم بها؛ وإذ لا يسوغ الإيمان بها مثل تلك القبائح فلستم بمؤمنين بها قطعا؛ وجواب الشرط - كما ترى - محذوف؛ لدلالة ما سبق عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية