الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الحديث عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه وفرض الصلاة

قرأت على أبي عبد الله بن أبي الفتح الصوري ، أخبركم الشيخان أبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن الإخوة ، وأم حبيبة عائشة بنت معمر بن الفاخر القرشية إجازة ، قالا : أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي قراءة عليه ونحن نسمع بأصبهان ، أخبرنا أبو نصر إبراهيم بن محمد بن علي الأصبهاني الكسائي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ ، أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن علي الوساوسي ، حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني ، عن أبي صالح مولى أم هانئ ، عن أم هانئ ، قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلس وأنا على فراشي ، فقال : أشعرت أني نمت الليلة في المسجد الحرام ، فأتاني جبريل عليه السلام فذهب بي إلى باب المسجد ، فإذا دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل ، مضطرب الأذنين ، فركبته ، فكان يضع حافره مد بصره ، إذا أخذ في هبوط طالت يداه وقصرت رجلاه ، وإذا أخذ في صعود طالت رجلاه وقصرت يداه ، وجبريل عليه السلام لا يفوتني ، حتى انتهينا إلى بيت المقدس ، فأوثقته بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها ، فنشر لي رهط من الأنبياء ، فيهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، فصليت بهم وكلمتهم ، وأتيت بإناءين أحمر وأبيض ، فشربت الأبيض ، فقال لي جبريل عليه السلام : شربت اللبن وتركت الخمر ، لو شربت الخمر لارتدت أمتك . ثم ركبته فأتيت المسجد الحرام فصليت به الغداة .

فتعلقت بردائه وقلت : أنشدك الله ابن عم إن تحدث بها قريشا ، فيكذبك من [ ص: 242 ] صدقك . فضرب بيده على ردائه فانتزعه من يدي ، فارتفع عن بطنه فنظرت إلى عكنه فوق ردائه ، وكأنه طي القراطيس وإذا نور ساطع عند فؤاده كاد يخطف بصري ، فخررت ساجدة ، فلما رفعت رأسي إذا هو قد خرج ، فقلت لجاريتي نبعة : ويحك ! اتبعيه فانظري ماذا يقول ؟ وماذا يقال له ؟ فلما رجعت نبعة أخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى نفر من قريش في الحطيم فيهم المطعم بن عدي بن نوفل ، وعمرو بن هشام ، والوليد بن المغيرة . فقال : إني صليت الليلة العشاء في هذا المسجد ، وصليت به الغداة ، وأتيت فيما بين ذلك بيت المقدس ، فنشر لي رهط من الأنبياء ، منهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، فصليت بهم وكلمتهم . فقال عمرو بن هشام كالمستهزئ ، صفهم لي . فقال : أما عيسى ففوق الربعة ودون الطويل ، عريض الصدر ، ظاهر الدم ، جعد الشعر ، يعلوه صهبة كأنه عروة بن مسعود الثقفي ، وأما موسى عليه السلام فضخم آدم ، طويل كأنه من رجال شنوءة ، كثير الشعر ، غائر العينين ، متراكب الأسنان ، مقلص الشفتين ، خارج اللثة ، عابس ، وأما إبراهيم عليه السلام فوالله لأشبه الناس بي خلقا وخلقا ، فضجوا وأعظموا ذلك ، فقال المطعم بن عدي بن نوفل : كل أمرك قبل اليوم كان أمما ، غير قولك اليوم ، أشهد أنك كاذب ، نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعدا شهرا ومنحدرا شهرا ، تزعم أنك أتيته في ليلة ، واللات والعزى لا أصدقك ، وما كان هذا الذي تقول قط . وكان للمطعم بن عدي حوض على زمزم ، أعطاه إياه عبد المطلب فهدمه ، فأقسم باللات والعزى لا يسقي منه قطرة أبدا ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا مطعم ، بئس ما قلت لابن أخيك ، جبهته وكذبته ، أنا أشهد أنه صادق . فقال : يا محمد ، صف لنا بيت المقدس . قال : دخلته ليلا وخرجت منه ليلا . فأتاه جبريل عليه السلام فصوره في جناحه ، فجعل يقول باب منه كذا في موضع كذا ، وباب منه كذا في موضع كذا ، وأبو بكر رضي الله عنه يقول : صدقت صدقت . قالت نبعة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ : يا أبا بكر إن الله عز وجل قد سماك الصديق . [ ص: 243 ] قالوا : يا مطعم دعنا نسأله عما هو أغنى لنا من بيت المقدس ، يا محمد : أخبرنا عن عيرنا . فقال : أتيت على عير بني فلان بالروحاء قد أضلوا ناقة لهم ، وانطلقوا في طلبها ، فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد ، وإذا قدح ماء فشربت منه ، فسلوهم عن ذلك . فقالوا : هذه واللات والعزى آية ، ثم انتهيت إلى عير بني فلان فنفرت مني الإبل ، وبرك منها جمل أحمر عليه جوالق ، مخطط ببياض ، لا أدري أكسر البعير أم لا ، فاسألوهم عن ذلك . فقالوا : هذه والآلهة آية . ثم انتهيت إلى عير بني فلان بالأبواء ، يقدمها جمل أورق ، ها هي تطلع عليكم من الثنية . فقال الوليد بن المغيرة : ساحر . فانطلقوا فنظروا فوجدوا كما قال ، فرموه بالسحر . وقالوا : صدق الوليد بن المغيرة فيما قال ، وأنزل الله تبارك وتعالى ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ) . قلت يا أم هانئ ما الشجرة الملعونة في القرآن ؟ قالت : الذين خوفوا فلم يزدهم التخويف إلا طغيانا كبيرا
.

التالي السابق


الخدمات العلمية