الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                    صفحة جزء
                    [ ص: 870 ] سياق

                    ما روي في معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - مما يدل على صدقه ، وخرق الله العادة الجارية ؛ لوضوح دلالته وإثبات نبوته ، ونفي الشك والارتياب في أمره

                    1457 - أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خيران الفقيه ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن الأشقر القاضي قال : ثنا الحسين بن مهدي الأيلي قال : ثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : حدثني أبو سفيان من فيه إلى في قال : انطلقت في المدة التي كانت بيننا وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل جاء به دحية الكلبي فدفعه إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل .

                    قال هرقل : ها هنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ قالوا : نعم . فدعيت في نفر من قريش فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه . قال : أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ قال أبو سفيان فقلت : أنا ، فأجلسوني بين أيديهم وأجلسوا أصحابي خلفي ، ثم دعا بترجمانه . فقال : قل لهم : إني سائله عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ، وإن كذبني فكذبوه . قال أبو سفيان : وايم الله لولا مخافة أن يؤثر علي الكذب لكذبته . ثم قال لترجمانه : سله كيف حسبه فيكم ؟ قال : قلت : هو فينا ذو حسب . [ ص: 871 ] قال : فهل كان من آبائه ملك ؟ قال : قلت لا . قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال : قلت لا . قال : من تبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم ؟ قلت : لا بل ضعفاؤهم . قال : فهل يزيدون أم ينقصون ؟ قال : قلت لا ، بل يزيدون . قال : فهل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة لدينه ؟ قال : قلت لا . قال : فهل قاتلتموه ؟ قال : قلت نعم . قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟ قال : قلت يكون الحرب بيننا وبينه سجالا يصيب منا ونصيب منه . قال : فهل يغدر ؟ قال : قلت لا . ونحن في مدة لا ندري ما هو صانع فيها. قال : فوالله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه . قال : فهل قال هذا القول أحد قبله ؟ قال : قلت لا . قال : ثم قال لترجمانه : قل له : إني سألتك عن حسبه فيكم فزعمت أنه فيكم ذو حسب ، وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها .

                    وسألتك هل كان من آبائه ملك فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان في [ ص: 872 ] آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه . وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم فقلت بل ضعفاؤهم ، وهم أتباع الرسل . وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمت أن لا ، فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ، ويذهب يكذب على الله . وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخله سخطة لدينه ؟ فزعمت أن لا ، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشته القلوب . وسألتك : هل يزيدون أم ينقصون ؟ فزعمت أنهم يزيدون ، وكذلك الإيمان حتى يتم . وسألتك هل قاتلتموه ؟ فزعمت أنكم قاتلتموه فيكون الحرب بينكم وبينه سجالا ينال منكم وتنالون منه ، وكذلك الرسل تبتلى حتى تكون لها العاقبة . وسألتك هل يغدر فزعمت أن لا ؟ وكذلك الرسل لا تغدر . وسألتك : هل قال هذا القول أحد قبله ؟ فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان قال هذا القول أحد قبله قلت : رجل ائتم بقول قيل قبله . ثم قال : بم يأمركم ؟ قلت : يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة ، والعفاف . ثم قال : إن يكن ما تقول فيه حقا فإنه نبي ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، ولم أكن أظن أنه منكم ، ولو أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ، وليبلغن ملكه ما تحت قدمي .

                    قال : ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه : [ ص: 873 ] " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين . ويا أهل الكتاب ( تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ) إلى قوله ( اشهدوا بأنا مسلمون ) .

                    فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط وأمر بنا فأخرجنا . فقلت لأصحابي حين خرجنا : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ؛ إنه ليخافه ملك بني الأصفر فما زلت موقنا بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام
                    . أخرجه البخاري ومسلم جميعا من حديث عبد الرزاق .

                    التالي السابق


                    الخدمات العلمية