الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب جلود الميتة

                                                                                                                                                                                                        5211 حدثنا زهير بن حرب حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح قال حدثني ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال هلا استمتعتم بإهابها قالوا إنها ميتة قال إنما حرم أكلها [ ص: 575 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 575 ] قوله ( باب جلود الميتة ) زاد في البيوع " قبل أن تدبغ " فقيده هناك بالدباغ وأطلق هنا ، فيحمل مطلقه على مقيده .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( عن صالح ) هو ابن كيسان .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( مر بشاة ) كذا للأكثر عن الزهري ، وزاد في بعض الرواة عن الزهري " عن ابن عباس عن ميمونة " أخرجه مسلم وغيره من رواية ابن عيينة ، والراجح عند الحفاظ في حديث الزهري ليس فيه ميمونة ، نعم أخرج مسلم والنسائي من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس " أن ميمونة أخبرته " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( بإهابها ) بكسر الهمزة وتخفيف الهاء هو الجلد قبل أن يدبغ ، وقيل هو الجلد دبغ أو لم يدبغ ، وجمعه أهب بفتحتين ويجوز بضمتين ، زاد مسلم من طريق ابن عيينة " هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به " وأخرج مسلم أيضا من طريق ابن عيينة أيضا عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس نحوه قال " ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به " وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه الدارقطني وقال حسن .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( قالوا إنها ميتة ) لم أقف على تعيين القائل .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( قال إنما حرم أكلها ) قال ابن أبي جمرة : فيه مراجعة الإمام فيما لا يفهم السامع معنى ما أمره ، كأنهم قالوا كيف تأمرنا بالانتفاع بها وقد حرمت علينا ؟ فبين له وجه التحريم . ويؤخذ منه جواز تخصيص الكتاب بالسنة ، لأن لفظ القرآن حرمت عليكم الميتة وهو شامل لجميع أجزائها في كل حال ، فخصت السنة ذلك بالأكل ، وفيه حسن مراجعتهم وبلاغتهم في الخطاب لأنهم جمعوا معاني كثيرة في كلمة واحدة وهي قولهم " إنها ميتة " واستدل به الزهري بجواز الانتفاع بجلد الميتة مطلقا سواء أدبغ أم لم يدبغ ، لكن صح التقييد من طرق أخرى بالدباغ ، وهي حجة الجمهور ، واستثنى الشافعي من الميتات الكلب والخنزير وما تولد منهما لنجاسة عينها عنده ، ولم يستثن أبو يوسف وداود شيئا أخذا بعموم الخبر ، وهي رواية عن مالك ، وقد أخرج مسلم من حديث ابن عباس رفعه " إذا دبغ الإهاب فقد طهر " ولفظ الشافعي والترمذي وغيرهما من هذا الوجه " أيما إهاب دبغ فقد طهر " وأخرج مسلم إسنادها ولم يسق لفظها ، فأخرجه أبو نعيم في " المستخرج " من هذا الوجه باللفظ المذكور ، وفي لفظ مسلم من هذا الوجه عن ابن عباس سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : دباغه طهوره وفي رواية للبزار من وجه آخر قال " دباغ الأديم طهوره " وجزم الرافعي وبعض أهل الأصول أن هذا اللفظ ورد في شاة ميمونة ، ولكن لم أقف على ذلك صريحا مع قوة الاحتمال فيه لكون الجميع من رواية ابن عباس ، وقد تمسك بعضهم بخصوص هذا السبب فقصر الجواز على المأكول لورود الخبر في الشاة ، ويتقوى ذلك من حيث النظر بأن الدباغ لا يزيد في التطهير على الذكاة ، وغير المأكول لو ذكي لم يطهر بالذكاة عند الأكثر فكذلك [ ص: 576 ] الدباغ ، وأجاب من عمم بالتمسك بعموم اللفظ فهو أولى من خصوص السبب وبعموم الإذن بالمنفعة ، ولأن الحيوان طاهر ينتفع به قبل الموت فكان الدباغ بعد الموت قائما له مقام الحياة والله أعلم . وذهب قوم إلى أنه لا ينتفع من الميتة بشيء سواء دبغ الجلد أم لم يدبغ ، وتمسكوا بحديث عبد الله بن عكيم قال : أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب أخرجه الشافعي وأحمد والأربعة وصححه ابن حبان وحسنه الترمذي ، وفي رواية للشافعي ولأحمد ولأبي داود " قبل موته بشهر " قال الترمذي : كان أحمد يذهب إليه ويقول : هذا آخر الأمر ، ثم تركه لما اضطربوا في إسناده ، وكذا قال الخلال نحوه .

                                                                                                                                                                                                        ورد ابن حبان على من ادعى فيه الاضطراب وقال : سمع ابن عكيم الكتاب يقرأ وسمعه من مشايخ من جهينة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا اضطراب ، وأعله بعضهم بالانقطاع وهو مردود ، وبعضهم بكونه كتابا وليس بعلة قادحة ; وبعضهم بأن ابن أبي ليلى راويه عن ابن عكيم لم يسمعه منه لما وقع عند أبي داود عنه أنه " انطلق وناس معه إلى عبد الله بن عكيم قال : فدخلوا وقعدت على الباب ، فخرجوا إلي فأخبروني " فهذا يقتضي أن في السند من لم يسم ، ولكن صح تصريح عبد الرحمن بن أبي ليلى بسماعه من ابن عكيم فلا أثر لهذه العلة أيضا ، وأقوى ما تمسك به من لم يأخذ بظاهره معارضة الأحاديث الصحيحة له وأنها عن سماع وهذا عن كتابة وأنها أصح مخارج ، وأقوى من ذلك الجمع بين الحديثين بحمل الإهاب على الجلد قبل الدباغ وأنه بعد الدباغ لا يسمى إهابا إنما يسمى قربة وغير ذلك ، وقد نقل ذلك عن أئمة اللغة كالنضر بن شميل ، وهذه طريقة ابن شاهين وابن عبد البر والبيهقي ، وأبعد من جمع بينهما بحمل النهي على جلد الكلب والخنزير لكونهما لا يدبغان ، وكذا من حمل النهي على باطن الجلد والإذن على ظاهره " وحكى الماوردي عن بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات كان لعبد الله بن عكيم سنة ، وهو كلام باطل فإنه كان رجلا " .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية