الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب المسك

                                                                                                                                                                                                        5213 حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد حدثنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى اللون لون دم والريح ريح مسك

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب المسك ) بكسر الميم الطيب المعروف ، قال الكرماني مناسبة ذكره في الذبائح أنه فضلة من الظبي . قلت : ومناسبته للباب الذي قبله وهو جلد الميتة إذا دبغ تطهر مما سأذكره ، قال الجاحظ : هو من دويبة تكون في الصين تصاد لنوافجها وسررها ، فإذا صيدت شدت بعصائب وهي مدلية يجتمع فيها دمها ، فإذا ذبحت قورت السرة التي عصبت ودفنت في الشعر حتى يستحيل ذلك الدم المختنق الجامد مسكا ذكيا بعد أن كان لا يرام من النتن ، ومن ثم قال القفال : إنها تندبغ بما فيها من المسك فتطهر كما يطهر غيرها من المدبوغات ، والمشهور أن غزال المسك كالظبي لكن لونه أسود وله نابان لطيفان أبيضان في فكه الأسفل ، وأن المسك دم يجتمع في سرته في وقت معلوم من السنة فإذا اجتمع ورم الموضع فمرض الغزال إلى أن يسقط منه ، ويقال إن أهل تلك البلاد يجعلون لها أوتادا في البرية تحتك بها ليسقط . ونقل ابن الصلاح في " مشكل الوسيط " أن النافجة في جوف الظبية كالإنفحة في جوف الجدي ، وعن علي بن مهدي الطبري الشافعي أنها تلقيها من جوفها كما تلقي الدجاجة البيضة ، ويمكن الجمع بأنها تلقيها من سرتها فتتعلق بها إلى أن تحتك ، قال النووي : أجمعوا على أن المسك طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب ، ويجوز بيعه .

                                                                                                                                                                                                        ونقل أصحابنا عن الشيعة فيه مذهبا باطلا وهو مستثنى من القاعدة : ما أبين من حي فهو ميت اهـ ، وحكى ابن التين عن ابن شعبان من المالكية أن فأرة المسك إنما تؤخذ في حال الحياة أو بذكاة من لا تصح ذكاته من الكفرة ، وهي مع ذلك محكوم بطهارتها لأنها تستحيل عن كونها دما حتى تصير مسكا كما يستحيل الدم إلى اللحم فيطهر ويحل أكله ، وليست بحيوان حتى يقال نجست بالموت ، وإنما هي شيء يحدث بالحيوان كالبيض ، وقد أجمع المسلمون على طهارة المسك إلا ما حكي عن عمر من كراهته ، وكذا حكى ابن المنذر عن جماعة ثم قال : ولا يصح المنع فيه إلا عن عطاء بناء على أنه جزء منفصل ، وقد أخرج مسلم في أثناء حديث عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسك أطيب الطيب " وأخرجه أبو داود مقتصرا منه على هذا القدر .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 578 ] قوله ( ما من مكلوم ) أي مجروح ( وكلمه ) بفتح الكاف وسكون اللام ( يدمى ) بفتح أوله وثالثه ، وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب الجهاد ، قال النووي : ظاهر قوله " في سبيل الله " اختصاصه بمن وقع له ذلك في قتال الكفار ، لكن يلتحق به من قتل في حرب البغاة وقطاع الطريق وإقامة المعروف لاشتراك الجميع في كونهم شهداء ، وقال ابن عبد البر أصل الحديث في الكفار ويلتحق هؤلاء بهم بالمعنى ، لقوله صلى الله عليه وسلم من قتل دون ماله فهو شهيد وتوقف بعض المتأخرين في دخول من قاتل دون ماله لأنه يقصد صون ماله بداعية الطبع ، وقد أشار في الحديث إلى اختصاص ذلك بالمخلص حيث قال " والله أعلم بمن يكلم في سبيله " والجواب أنه يمكن فيه الإخلاص مع إرادة صون المال ، كأن يقصد بقتال من أراد أخذه منه صون الذي يقاتله عن ارتكاب المعصية وامتثال أمر الشارع بالدفع ، ولا يمحض القصد لصون المال ، فهو كمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا مع تشوفه إلى الغنيمة . قال ابن المنير : وجه استدلال البخاري بهذا الحديث على طهارة المسك وكذا بالذي بعده وقوع تشبيه دم الشهيد به ، لأنه في سياق التكريم والتعظيم ، فلو كان نجسا لكان من الخبائث ولم يحسن التمثيل به في هذا المقام .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية