الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل : والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه أراد المسجد نفسه ، ومعنى قوله : الذي جعلناه للناس أي قبلة لصلاتهم ومنسكا لحجهم .

                                                                                                                                                                                                                                        سواء العاكف فيه وهو المقيم ، والباد وهو الطارئ إليه، وهذا قول ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 16 ] والقول الثاني : أن المراد بالمسجد الحرام جميع الحرم، وعلى هذا في قوله :

                                                                                                                                                                                                                                        الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنهم سواء في دوره ومنازله ، وليس العاكف المقيم أولى بها من البادي المسافر، وهذا قول مجاهد ومن منع بيع دور مكة كأبي حنيفة .

                                                                                                                                                                                                                                        والثاني : أنهما سواء في أن من دخله كان آمنا ، وأنه لا يقتل بها صيدا ولا يعضد بها شجرا .

                                                                                                                                                                                                                                        ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم والإلحاد : الميل عن الحق، والباء في قوله : بإلحاد زائدة كزيادتها في قوله تعالى : تنبت بالدهن [المؤمنون : 20] ومثلها في قول الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج



                                                                                                                                                                                                                                        أي نرجو الفرج ، فيكون تقدير الكلام : ومن يرد فيه إلحادا بظلم . وفي الإلحاد بالظلم أربعة تأويلات :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أنه الشرك بالله بأن يعبد فيه غير الله ، وهذا قول مجاهد ، وقتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        والثاني : أنه استحلال الحرام فيه ، وهذا قول ابن مسعود .

                                                                                                                                                                                                                                        والثالث : استحلال الحرام متعمدا ، وهذا قول ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        والرابع : أنه احتكار الطعام بمكة ، وهذا قول حسان بن ثابت .

                                                                                                                                                                                                                                        قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في أبي سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمرته عام الحديبية .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 17 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية