الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1123 [ ص: 243 ] حديث عاشر لعبد الله بن أبي بكر

مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده ، قال لها : ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن ، وإن شئت ثلثت عندك ودرت فقالت : ثلث .

التالي السابق


هذا حديث ظاهره الانقطاع ، وهو متصل مسند صحيح ، قد سمعه أبو بكر من أم سلمة ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك ببغداد ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، أخبرنا عبد الرزاق ، ويحيى بن [ ص: 244 ] سعيد الأموي ، وروح بن عبادة ، قالوا : حدثنا ابن جريج ، أخبرنا حبيب بن أبي ثابت أن عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو ، والقاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أخبراه أنهما سمعا أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته في حديث طويل ذكروه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن شئت سبعت لك ، وإن أسبع لك أسبع لنسائي ، وقد روي هذا الحديث من وجه آخر متصل أيضا .

حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا موسى بن إسماعيل . وأخبرنا قاسم بن محمد ، حدثنا خالد بن سعد ، حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور ، حدثنا محمد بن سنجر ، حدثنا عبيد الله بن عائشة . وأخبرنا عبد الله بن عبد المؤمن ، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا عفان ، قالوا : حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا ثابت ، حدثني ابن عمر بن أبي سلمة بمنى ، عن أبيه ، عن أم سلمة في حديث طويل ذكره في نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة ، وفيه : فلما بنى بأهله ، قال لها : إن شئت أن أسبع لك سبعت للنساء ، وهذا لفظ [ ص: 245 ] حديث أحمد بن حنبل ، عن عفان قال : وحدثنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، حدثني عمر بن أبي سلمة قال : وقال سليمان بن المغيرة : عن ابن عمر بن أبي سلمة .

قال أبو عمر : قول جعفر بن سليمان في هذا الحديث ، عن ثابت : حدثني عمر بن أبي سلمة - خطأ ، وإنما هو لثابت عن ابن عمر بن أبي سلمة كما قال حماد بن سلمة وسليمان بن المغيرة .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، أخبرنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، حدثني محمد بن أبي بكر ، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أم سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام ، وقال : إنه ليس بك على أهلك هوان ، إن شئت سبعت لك ، وإن سبعت لك سبعت لنسائي .

قال أبو عمر : أما قوله في هذا الحديث : إن سبعت لك سبعت لنسائي فإنه لا يقول به مالك ، ولا أصحابه ، وهذا مما تركوه من رواية أهل المدينة لحديث بصري رواه مالك ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : " للبكر سبع ، وللثيب ثلاث " ، قال مالك : وذلك الأمر عندنا ، ولا يحسب على التي تزوج ما أقام عندها .

[ ص: 246 ] قال أبو عمر : من قال بحديث هذا الباب يقول : إن أقام عند البكر ، أو الثيب سبعا أقام عند سائر نسائه سبعا سبعا ، وإن أقام عندها ثلاثا أقام عند كل واحدة منهن كذلك ، وتأولوا في قوله وإن شئت ثلثت ودرت أي درت بثلاث ثلاث على سائرهن ، وهذا قول فقهاء الكوفيين ، وفي هذا الباب عجب ; لأنه صار فيه أهل الكوفة إلى ما رواه أهل المدينة وصار فيه أهل المدينة إلى ما رواه أهل البصرة .

واختلف الفقهاء في هذا الباب ، فقال مالك ، والشافعي ، وأصحابهما ، والطبري : يقيم عند البكر سبعا ، وعند الثيب ثلاثا ، فإن كانت له امرأة أخرى غير التي تزوج فإنه يقسم بينهما بعد أن تمضي أيام التي تزوج ، وقال ابن القاسم : عند مالك مقامه عند البكر سبعا ، وعند الثيب ثلاثا إذا كان له امرأة أخرى - واجب . وقال ابن عبد الحكم ، عن مالك : إنما ذلك مستحب ، وليس بواجب . وقال الأوزاعي : مضت السنة أن يجلس في بيت البكر سبعا ، وعند الثيب أربعا ، وإن تزوج بكرا ، وله امرأة أخرى ، فإن للبكر ثلاثا ، ثم يقسم ، وإن تزوج الثيب ، وله امرأة كان لها الثلثان . وقال الثوري : إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها ليلتين ، ثم قسم بينهما بعد . قال : [ ص: 247 ] وقد سمعنا حديثا آخر ، قال : يقيم مع البكر سبعا ، ومع الثيب ثلاثا . وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : القسم بينهما سواء البكر ، والثيب ، ولا يقعد عند الواحدة إلا كما يقعد عند الأخرى . قال محمد بن الحسن : لأن الحرمة لهما سواء ، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤثر واحدة على أخرى ، واحتج بحديث هذا الباب ، وما قدمنا في تأويله .

قال أبو عمر : الأحاديث المرفوعة في هذا الباب عن أنس على ما ذهب إليه مالك ، والشافعي ، وهو الصواب ، وليس فيما ذهب إليه غيرهما حديث مرفوع نصا . وعن السلف من الصحابة والتابعين في هذا الباب من الخلاف مثل ما ذكرنا عن فقهاء الأمصار ، والحجة مع من أدلى بالسنة وبالله التوفيق .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن أخبرنا محمد بن بكر بن داسة أخبرنا أبو داود ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا هشيم ، وإسماعيل ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك ، قال : إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ، ولو قلت : [ ص: 248 ] إنه رفعه لصدقت ، ولكنه قال : السنة كذلك .

قال : وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ، عن هشيم ، عن حميد ، عن أنس ، قال : لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية أقام عندها ثلاثا ، وكانت ثيبا .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان أخبرنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أبو قلابة الرقاشي ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا سفيان الثوري ، عن أيوب وخالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا ، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا .

قال أبو عمر : هذا الحديث فيما يقولون خطأ من أبي عاصم النبيل ، وله خطأ كثير عن مالك ، والثوري ، وإنما المحفوظ في حديث خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أنس أنه ، قال : السنة للبكر سبع ، وللثيب ثلاث .

وأما رواية أيوب فالمحفوظ فيها ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثناه سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يعلى ، حدثنا محمد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : للبكر سبع ، وللثيب ثلاث .

[ ص: 249 ] قال أبو عمر : لم يخص في هذا الحديث من كانت عنده امرأة ممن لم تكن عنده امرأة بل قال : للبكر سبع ، وللثيب ثلاث قولا مطلقا ، وهذا عند جماعة من أهل العلم إن كانت له غيرها ; لأن من لم يكن له غيرها . . . . . . فمقامه كله عندها ، ومبيته في بيتها ، والقسم إنما هو في المبيت لا في النهار .

وقالت طائفة من العلماء : إنه يلزمه المقام عند البكر سبعا ، وعند الثيب ثلاثا على ظاهر الحديث نهارا ، وليلا ، ثم يقسم بعد في المبيت إن كان له غيرها .

وعلى حسب هذا الاختلاف اختلفوا في المقام عندها هل هو من حقوقها ، أو من حقوق الزوج على نسائه غيرها ؟

فقالت طائفة : هو حق للمرأة ، إن شاءت طلبته ، وإن شاءت تركته . وقال آخرون : هو حق للزوج على نسائه ، إن شاء أقام عندها ، وإن شاء لم يقم وسوى بينها وبين سائر نسائه . وكلا القولين قد روي أيضا عن مالك - رحمه الله - وظاهر الحديث يشهد لقول من جعله من حق المرأة لقوله : للبكر سبع ، وللثيب ثلاث . ويوجب عليه في البكر على كل حال أن يقيم عندها سبعا ، وعند الثيب ثلاثا على عموم الآثار ، وهو قول جماعة أيضا من فقهاء الأمصار ، وهو أمر معمول به عندهم وحسبك بقول أنس : مضت السنة بذلك . وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية