الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 179 ] ليث بن أبي سليم ( 4 ، خت ، م تبعا )

                                                                                      ابن زنيم ، محدث الكوفة وأحد علمائها الأعيان على لين في حديثه لنقص حفظه . مولى آل أبي سفيان بن حرب الأموي . أبو بكر ، ويقال : أبو بكير الكوفي . وفي اسم أبيه أبي سليم أقوال : أيمن ، ويقال : أنس ، ويقال : زيادة ، وعيسى .

                                                                                      ولد بعد الستين ، لعل في دولة يزيد ، وحدث عن أبي بردة ، والشعبي ، ومجاهد وطاوس ، وعطاء ، ونافع مولى ابن عمر ، وشهر ، وعكرمة ، وزيد بن أرطاة ، وابن أبي مليكة ، وعبد الرحمن بن الأسود ، وأشعث بن أبي الشعثاء ، وخلق . ولم نجد له شيئا عن صغار الصحابة ، ولكنه معدود في صغار التابعين . وكان في حياة بعض الصحابة كابن أبي أوفى وأنس رجلا .

                                                                                      حدث عنه الثوري ، وزائدة ، وشعبة ، وشيبان ، وشريك ، وزهير ، والفضيل بن عياض ، وأبو عوانة ، ويعقوب القمي ، وعبيد الله بن عمرو ، وأبو الأحوص ، وزياد البكائي ، وابن إدريس ، والمحاربي وأبو إسحاق الفزاري ، وابن علية ، وجرير الضبي ، وحسان بن إبراهيم ، وحفص بن غياث ، وذواد بن علبة ، وأبو بدر السكوني ، وعبد الواحد بن زياد ، وعبد الوارث ، والقاسم بن مالك ، وأبو معاوية ، وابن فضيل وخلق كثير .

                                                                                      [ ص: 180 ] قال أحمد بن حنبل : ليث بن أبي سليم مضطرب الحديث ، ولكن حدث عنه الناس . وقال : ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأيا في أحد ، منه في ليث ، وابن إسحاق ، وهمام . لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم .

                                                                                      وقال عبد الله بن أحمد : سألت عثمان بن أبي شيبة ، فقال : سألت جريرا ، عن ليث ، وعطاء بن السائب ، ويزيد بن أبي زياد ، فقال : كان ليث أكثر تخليطا ، ويزيد أحسنهم استقامة . قال عبد الله : فسألت أبي عن هذا ، فقال : أقول كما قال جرير .

                                                                                      قال عبد الله : قال لي يحيى بن معين : ليث أضعف من يزيد بن أبي زياد . يزيد فوقه في الحديث .

                                                                                      وروى معاوية بن صالح ، عن يحيى قال : ليث ضعيف ، إلا أنه يكتب حديثه . وقال الفلاس ، وغيره : كان يحيى القطان لا يحدث عن ليث ، ولا حجاج بن أرطاة . وكان عبد الرحمن يحدث عن سفيان وغيره ، عنهما .

                                                                                      وقال ابن المديني وغيره : سمعت يحيى يقول : مجالد أحب إلي من ليث وحجاج .

                                                                                      وقال أبو معمر القطيعي : كان ابن عيينة يضعف ليث بن أبي سليم . وقال أحمد بن سنان : سمعت عبد الرحمن يقول : ليث ، وعطاء ، ويزيد بن أبي زياد . ليث أحسنهم حالا عندي . يحيى بن سليمان ، عن ابن إدريس ، قال : ما جلست إلى ليث بن أبي سليم إلا سمعت منه ما لم أسمع منه . قال أبو نعيم ، قال شعبة لليث : أين اجتمع لك هؤلاء الثلاثة : عطاء ، وطاوس ، ومجاهد ؟ فقال : إذ أبوك يضرب بالخف ليلة عرسه . قال قبيصة : فقال رجل كان جالسا : فما زال شعبة متقيا لليث منذ يومئذ . قال عبد الملك أبو الحسن الميموني : سمعت يحيى ذكر ليث بن أبي سليم فقال : ضعيف الحديث عن طاوس ، فإذا جمع طاوسا وغيره ، فالزيادة هو ضعيف .

                                                                                      [ ص: 181 ] مؤمل بن الفضل ، عن عيسى بن يونس ، وقلنا له : لم لم تسمع من ليث ؟ قال : قد رأيته ، كان قد اختلط ، وكان يصعد المنارة ارتفاع النهار فيؤذن . وقال أبو حاتم : ليث أحب إلي من يزيد بن أبي زياد ، وأبرأ ساحة ، يكتب حديثه وهو ضعيف الحديث . وقال أبو زرعة ، وغيره : ليث لا يشتغل به ، هو مضطرب الحديث ، لا تقوم به حجة .

                                                                                      أحمد بن يونس ، عن فضيل بن عياض قال : كان ليث بن أبي سليم أعلم أهل الكوفة بالمناسك . وقال أبو داود : سألت يحيى عن ليث ، فقال : ليس به بأس ، وقال : عامة شيوخه لا يعرفون .

                                                                                      وقال ابن عدي -بعد أن سرد أحاديث منكرة- : له أحاديث صالحة غير ما ذكرت ، وقد روى عنه شعبة ، والثوري وغيرهما من الثقات ، ومع الضعف الذي فيه ، يكتب حديثه .

                                                                                      وقال البرقاني : سألت الدارقطني عنه ، فقال : صاحب سنة يخرج حديثه . ثم قال : إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب .

                                                                                      قال أبو بكر الخطيب : حدث عنه أيوب السختياني ، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف ، وبين وفاتيهما خمس ، وقيل : أربع ، وقيل : ثلاث ، وقيل : اثنتان وسبعون سنة .

                                                                                      وقال مطين : مات ليث سنة ثمان وثلاثين ومائة . وقال أبو بكر بن محمويه ، وابن حبان : مات سنة ثلاث وأربعين ومائة وقد استشهد به البخاري في [ ص: 182 ] صحيحه . وروى له مسلم مقرونا بأبي إسحاق الشيباني ، والباقون من الستة . وقد قال عبد الوارث : كان ليث من أوعية العلم ، وقال أبو بكر بن عياش : كان من أكثر الناس صلاة وصياما فإذا وقع على شيء لم يرده .

                                                                                      وقال ابن شوذب ، عن ليث ، قال : أدركت الشيعة الأولى بالكوفة وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحدا .

                                                                                      قال ابن حبان : ليث بن أبي سليم واسمه أنس ، ولد بالكوفة ، وكان معلما بها ، وكان من العباد ، ولكن اختلط في آخر عمره ، حتى كان لا يدري ما يحدث به ، فكان يقلب الأسانيد ، ويرفع المراسيل ، ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم . كل ذلك كان منه في اختلاطه ، تركه يحيى القطان ، وابن مهدي ، وأحمد ، وابن معين .

                                                                                      روى ليث عن مجاهد عن ابن عمر ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : الزنى يورث الفقر حدثناه الحسن بن سفيان ، حدثنا حرملة ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا الماضي بن محمد عنه .

                                                                                      وليث عن مجاهد ، عن عائشة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : إذا كثرت ذنوب [ ص: 183 ] العبد ، ولم يكن له من العمل ما يكفرها ، ابتلاه الله بالحزن رواه عنه زائدة .

                                                                                      مؤمل بن الفضل : سألت عيسى بن يونس عن ليث ، فقال : قد رأيته وكان قد اختلط ، وكنت ربما مررت به ارتفاع النهار ، وهو على المنارة يؤذن .

                                                                                      ومن مناكيره : روى عبد الوارث ، عنه ، عن مجاهد وعطاء ، عن أبي هريرة في الذي وقع على أهله في رمضان ، قال : أعتق رقبة فزاد فيه : قال : فأهد بدنة فذكر هذا وأسقط : فصم شهرين متتابعين .

                                                                                      أبو حفص الأبار ، عن ليث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، مرفوعا : لا يركب البحر إلا حاج ، أو معتمر ، أو غاز .

                                                                                      [ ص: 184 ] أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن ليث ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، عن ابن عمر : أن امرأة قالت : يا رسول الله ، ما حق الزوج على زوجته ؟ قال : لا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب ، ولا تصوم إلا بإذنه ، ولا تصدق من بيته إلا بإذنه ، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه . فإن فعلت لعنتها الملائكة حتى تموت ، أو تراجع . قالت : يا نبي الله ، وإن كان لها ظالما ؟ قال وإن كان لها ظالما الحديث رواه جرير ، عن ليث ، عن عطاء نفسه ، عن ابن عمر .

                                                                                      قلت : بعض الأئمة يحسن لليث ، ولا يبلغ حديثه مرتبة الحسن ، بل عداده في مرتبة الضعيف المقارب . فيروى في الشواهد والاعتبار ، وفي الرغائب والفضائل ، أما في الواجبات ، فلا .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية