الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب الثاني في أحكام المساقاة

                                                                                                                                                                        ويجمعها حكمان . أحدهما : ما يلزم العامل والمالك . والثاني : في لزومها .

                                                                                                                                                                        أما الأول : فكل عمل تحتاج إليه الثمار لزيادتها ، أو صلاح ، ويتكرر كل سنة ، فهو على العامل . وإنما اعتبرنا التكرار ، لأن ما يتكرر يبقى أثره بعد فراغ المساقاة ، وتكليف العامل مثل هذا ، إجحاف به . فما يجب عليه السقي ، وما يتبعه من إصلاح طريق الماء والأجاجين التي يقف فيها الماء ، وتنقية الآبار والأنهار من الحمأة ونحوها . وإدارة الدولاب وفتح رأس الساقية ، وسدها عند السقي ، على ما يقتضيه الحال . [ ص: 159 ] وفي تنقية النهر وجه ضعيف : أنها على المالك . ووجه : أنها على من شرطت عليه منهما . فإن لم يذكراها ، فسد العقد .

                                                                                                                                                                        ومنه : تقليب الأرض بالمساحي وكرابها في المزارعة . قال المتولي : وكذا تقويتها بالزبل ، وذلك بحسب العادة .

                                                                                                                                                                        ومنه : التلقيح ، ثم الطلع الذي يلقح به على المالك ، لأنه عين مال ، وإنما يكلف العامل العمل .

                                                                                                                                                                        ومنها : تنحية الحشيش المضر والقضبان المضرة بالشجر .

                                                                                                                                                                        ومنه : تصريف الجريد . - والجريد : سعف النخل - . وحاصل ما قالوه في تفسيره شيئان . أحدهما : قطع ما يضر تركه يابسا وغير يابس . والثاني : ردها عن وجوه العناقيد بينها لتصيبها الشمس ، وليتيسر قطعها عند الإدراك .

                                                                                                                                                                        ومنه : تعريش شجر العنب حيث جرت العادة به . قال المتولي : ووضع الحشيش فوق العناقيد صونا عن الشمس عند الحاجة . وفي حفظ الثمار وجهان . أحدهما : على العامل كحفظ مال القراض . فإن لم يحفظ بنفسه ، فعليه مؤنة من يحفظه . والثاني : على العامل والمالك جميعا بحسب اشتراكهما في الثمار ، لأن الذي يجب على العامل ما يتعلق بزيادة الثمر وتنميته ، ويجري الوجهان في حفظ الثمر عن الطيور والزنابير ، بأن يجعل كل عنقود في قوصرة ، فيلزم ذلك على العامل على الأصح عند جريان العادة [ به ] وهذه القوصرة على المالك ، ويلزم العامل جداد الثمرة على الصحيح ، وبه قطع الأكثرون ، لأنه من الصلاح .

                                                                                                                                                                        وقيل : لا ، لأنه بعد الفراغ . ويلزمه تجفيف الثمار على الصحيح إذا طردت العادة ، أو شرطاه . وإذا وجب التجفيف ، وجب تهيئة موضعه وتسويته ، ويسمى : البيدر والجرين ، ونقل الثمار إليه ، وتقليبها في الشمس .

                                                                                                                                                                        وأما ما لا يتكرر كل سنة ويقصد به حفظ الأصول ، فهو من وظيفة المالك ، وذلك كحفر الآبار والأنهار الجديدة ، والتي انهارت ، وبناء الحيطان ، ونصب [ ص: 160 ] الأبواب والدولاب ونحوها . وفي ردم الثلم اليسيرة التي تتفق في الجدران ، ووضع الشوك على رأس الجدار ، وجهان كتنقية الأنهار . والأصح : اتباع العرف . وأما الآلات التي يتوفر بها العمل ، كالفأس ، والمعول ، والمسحاة ، والثيران ، والفدان في المزرعة ، والثور الذي يدير الدولاب ، فالصحيح : أنها على المالك . وقيل : هي على من شرطت عليه ، ولا يجوز السكوت عنها ، وبه قال أبو إسحاق ، وأبو الفرج السرخسي .

                                                                                                                                                                        وخراج الأرض الخراجية على المالك قطعا ، وكذا كل عين تتلف في العمل ، فعلى المالك قطعا . ثم كل ما وجب على العامل ، فله استئجار المالك عليه ، ويجيء فيه وجه . ولو شرط على المالك في العقد ، بطل العقد ، وكذا ما على المالك لو شرط على العامل ، بطل العقد ، ولو فعله العامل بلا إذن لم يستحق شيئا ، وإن فعله بإذن المالك ، استحق الأجرة . وجميع ما ذكرناه تفريع على الصحيح ، في أن تفصيل الأعمال لا يجب في العقد . فإن أوجبناه ، فالمتبع الشرط إلا أنه لا يجوز أن يكون الشرط مغيرا مقتضى العقد .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية