الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          91 - فصل

                          [ المأمون وأهل الذمة ]

                          وأما المأمون فقال عمرو بن عبد الله الشيباني : استحضرني المأمون في بعض لياليه ونحن بمصر ، فقال لي : قد كثرت سعايات النصارى ، وتظلم المسلمون منهم وخانوا السلطان في ماله ، ثم قال : يا عمرو تعرف من أين [ ص: 466 ] أصل هؤلاء القبط ؟ فقلت : هم بقية الفراعنة الذين كانوا بمصر ، وقد نهى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن استخدامهم ، فقال : صف لي كيف كان تناسلهم في مصر ، فقلت : يا أمير المؤمنين لما أخذت الفرس الملك من أيدي الفراعنة قتلوا القبط ، فلم يبق منهم إلا من اصطنعته يد الهرب واختفى " بأنصنا " وغيرها ، فتعلموا طبا وكتابا ، فلما ملكت الروم ملك الفرس كانوا سببا في إخراج الفرس عن ملكهم ، وأقاموا في مملكة الروم إلى أن ظهرت دعوة المسيح .

                          وفيهم يقول خالد بن صفوان من قصيدة له يمدح بها عمرو بن العاص رضي الله عنه ويحثه على قتلهم ويغريه بهم .


                          يا عمرو قد ملكت يمينك مصرنا وبسطت فيها العدل والإقساطا     فاقتل بسيفك من تعدى طوره
                          واجعل فتوح سيوفك الأقباطا     فبهم أقيم الجور في جنباتها
                          ورأى الأنام البغي والإفراطا     عبدوا الصليب وثلثوا معبودهم
                          وتوازروا وتعدوا الأشراطا



                          وبقي في نفس المأمون منهم ، فلما عاد إلى بغداد اتفق لهم مجاهرة في بغداد بالبغي والفساد على معلمه علي بن حمزة الكسائي ، فلما قرأ عليه [ ص: 467 ] المأمون ووصل إلى قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ، قال الكسائي : يا أمير المؤمنين أتقرأ كتاب الله ولا تعمل به ؟ فأمر المأمون بإحضار الذمة ، فكان عدة من صرف وسجن ألفين وثمان مائة ، وبقي جماعة من اليهود منحازين إلى حماية بعض جهاته ، فخرج توقيعه بما نسخته : " أخبث الأمم اليهود ، وأخبث اليهود السامرة ، وأخبث السامرة بنو فلان ، فليقطع ما بأسمائهم من ديوان الجيش والخراج إن شاء الله تعالى " .

                          ودخل بعض الشعراء على المأمون وفي مجلسه يهودي جالس فأنشده :


                          يابن الذي طاعته في الورى     وحكمه مفترض واجب
                          إن الذي عظمت من أجله     يزعم هذا أنه كاذب

                          فقال له المأمون : أصحيح ما يقول ؟ قال : نعم ، فأمر بقتله .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية