الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1426 [ ص: 292 ] [ ص: 293 ] حديث خامس عشر لعبد الله بن أبي بكر

مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو بن حزم ، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، عن أبي عمرة الأنصاري ، عن زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها ، أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها .

التالي السابق


هكذا قال يحيى عن مالك في إسناد هذا الحديث ، عن أبي عمرة الأنصاري ، وكذلك قال فيه عن مالك - ابن القاسم ، وأبو مصعب الزهري ، ومصعب الزبيري ، وقال القعنبي ، ومعن بن عيسى ، وسعيد بن عفير ، ويحيى بن عبد الله بن بكير ، عن مالك بإسناده : ابن أبي عمرة ، وكذلك قال ابن وهب ، وعبد الرزاق إلا أنهما سمياه ، قالا : عبد الرحمن بن أبي عمرة ، [ ص: 294 ] أخبرنا خلف بن سعيد ، أخبرنا أحمد بن خالد ، حدثنا عبيد بن محمد الكشوري ، أخبرنا محمد بن يوسف الحذافي ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن زيد بن خالد الجهني , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يؤدي شهادته قبل أن يسألها ، أو يسأل عنها هكذا في كتابي في هذا الإسناد : عبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، ليس فيه عن أبيه ، والصواب : عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، وقد جود ابن وهب في إسناد هذا الحديث ، ولفظه وجاء عن مالك بتفسيره .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، أخبرنا محمد بن بكر ، أخبرنا أبو داود ، حدثنا ابن السرح ، وأحمد بن سعيد الهمداني ، قالا : حدثنا ابن وهب ، أخبرني مالك بن أنس ، عن عبد الله بن أبي بكر أن أباه أخبره أن عبد الله بن عمرو بن عثمان أخبره أن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أخبره أن زيد بن خالد الجهني أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال : ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته [ ص: 295 ] أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها شك عبد الله بن أبي بكر أيهما قال . قال مالك : هو الذي يخبر بشهادته ، ولا يعلم بها الذي هي له . زاد الهمداني : " ويرفعها إلى السلطان " ، قال ابن السرح : أو يأتي بها إلى الإمام ، واللفظ لحديث الهمداني ، وقال ابن السرح : ابن أبي عمرة ، ولم يقل عبد الرحمن ، قال أبو داود : والتفسير من قبل مالك .

أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ، حدثنا تميم بن محمد ، حدثنا عيسى بن مسكين . وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، أخبرنا سحنون ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثني مالك بن أنس ، عن عبد الله بن أبي بكر أن أباه ، أخبره أن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، أخبره أن عبد الله بن أبي عمرة الأنصاري ، أخبره أن زيد بن خالد الجهني أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته ، أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها يشك عبد الله بن أبي بكر أيتهما قال . قال ابن وهب : وسمعت مالكا يقول في تفسير هذا الحديث : إنه الرجل تكون عنده الشهادة في الحق يكون للرجل لا يعلم بذلك قبل ، فيخبر بشهادته ويرفعها إلى السلطان ، قال ابن وهب : وبلغني عن يحيى بن سعيد أنه قال : من دعي لشهادة عنده فعليه أن يجيب إذا علم أنه ينتفع بها الذي يشهد له بها ، وعليه أن يؤديها ، ومن كانت عنده شهادة لا يعلم [ ص: 296 ] بها صاحبها فليؤدها قبل أن يسأل عنها ، فإنه كان يقال : من أفضل الشهادات شهادة أداها صاحبها قبل أن يسألها .

قال أبو عمر : تفسير مالك ويحيى بن سعيد لهذا الحديث أولى ما قيل به فيه ، ولا يسع الذي عنده شهادة لغيره أن يكتمها ، ولا أن يسكت عنها إلا أن يعلم أن حق الطالب يثبت أو قد ثبت بغيره ، فإن كان كذلك ، فهو في سعة وأداؤها مع ذلك أفضل ، وسواء شهد أحد قبله ، أو معه ، أو لم يشهد إذا كان الحق مالا ؛ لأن اليمين فيه مع الشاهد الواحد .

وفي هذا الحديث أيضا دليل على جواز شهادة السماع ، وإن لم يقل المشهود له أشهدك على هذا ، ولا قال المشهود عليه اشهد علي ، فمن سمع شيئا وعلمه جاز له أن يشهد به ، ومثل هذا يأتي بالشهادة قبل أن يسألها ؛ لأن صاحبها لا يعلم بها فكل من علم شيئا يجوز أداؤه جاز له أن يشهد به لقوله : إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ، وقوله عز وجل : وأقيموا الشهادة لله ، وقوله : والذين هم بشهاداتهم قائمون [ ص: 297 ] قال أبو عمر : قد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهور شهادة الزور ، وكتمان شهادة الحق من أشراط الساعة ، عائبا لذلك ، وموبخا عليه ، فإذا كان كتمان شهادة الحق عيبا وحراما فالبدار إلى الإخبار بها قبل أن يسأل عنها فيه الفضل الجسيم ، والأجر العظيم إن شاء الله .

حدثنا يوسف بن محمد بن يوسف ، ومحمد بن إبراهيم ، وعبد العزيز بن عبد الرحمن ، قالوا : حدثنا أحمد بن مطرف ، حدثنا سعيد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا بشير بن إسماعيل ، حدثنا سيار أبو الحكم ، عن طارق بن شهاب ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إن بين يدي الساعة التسليم على الخاصة ، وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة ، وقطع الأرحام ، وفشو القلم ، وظهور شهادة الزور ، وكتمان شهادة الحق .

قال أبو عمر : أما قوله في هذا الحديث : وفشو القلم فإنه أراد ظهور الكتاب وكثرة الكتاب .

روى المبارك بن فضالة ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم ويفيض المال ويظهر القلم ويكثر التجار ، قال الحسن : لقد أتى علينا زمان ، إنما يقال : [ ص: 298 ] تاجر بني فلان وكاتب بني فلان ما يكون في الحي إلا التاجر الواحد ، والكاتب الواحد ، قال الحسن : والله إن كان الرجل ليأتي الحي العظيم فما يجد به كاتبا .

وقد روى ابن إدريس ، عن محمد بن عمارة ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، عن زيد بن خالد الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أنبئكم بخير الشهداء هم الذين يبدرون بشهادتهم قبل أن يسألوا عنها هكذا قال في إسناده لم يذكر أبا عمرة ، ولا ابن أبي عمرة . ذكره ابن أبي شيبة ، عن ابن إدريس . ورواه حاتم بن إسماعيل ، عن محمد بن عمارة ، عن أبي بكر بن محمد ، عن زيد بن خالد فأفسد إسناده .

وأما لفظه فلم يختلف في معناه ، وهو معنى صحيح ؛ لأن أداء الشهادة فعل خير ، ومعلوم أن من بدر إلى فعل الخير حمد له ذلك ، ومدح له وفضل ، والله يوفق من يشاء لا شريك له .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث العراقيين حديث يعارض ظاهر هذا الحديث ، وليس كذلك .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا أبي ، حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، حدثنا هلال بن يساف ، عن عمران بن حصين قال : قال [ ص: 299 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم يتسمنون ويحبون السمن يعطون الشهادة قبل أن يسألوها .

حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا ابن فضيل ، عن الأعمش ، عن علي بن مدرك ، عن هلال بن يساف ، عن عمران ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

قال أبو عمر : أدخل ابن فضيل بين الأعمش وبين هلال في هذا الحديث - علي بن مدرك ، وتابعه على ذلك عبد الله بن إدريس ، ومنصور بن أبي الأسود ، وهو الصواب ، وهذا عندي - والله أعلم - إنما جاء من قبل الأعمش ؛ لأنه كان يدلس أحيانا ، وقد يمكن أن يكون من قبل حفظ وكيع لذلك ، وإن كان حافظا ، أو من قبل أبي خيثمة ؛ لأن فيه : حدثنا هلال بن يساف ، وليس بشيء ، وإنما الحديث للأعمش ، عن علي بن مدرك ، عن هلال ، والله أعلم .

وقد روى الأعمش ، عن هلال بن يساف غير ما حديث ، وقد روى هذا الحديث شعبة ، عن علي بن مدرك ، عن هلال بن يساف ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . لم يقل : عن عمران بن حصين - أخبرناه محمد [ ص: 300 ] بن إبراهيم ، أخبرنا محمد بن معاوية ، أخبرنا أحمد بن شعيب ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن علي بن مدرك ، عن هلال بن يساف ، قال : قدمت البصرة ، فإذا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم سمان يعطون الشهادة ، ولا يسألوها .

قال أبو عمر : هذا الحديث في إسناده اضطراب ، وليس مثله يعارض به حديث مالك ; لأنه من نقل ثقات أهل المدينة ، وهذا حديث كوفي لا أصل له ، ولو صح كان معناه كمعنى حديث ابن مسعود على ما فسره إبراهيم النخعي فقيه الكوفة .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا أبي ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة السلماني ، عن عبد الله ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس خير ؟ قال : قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم تبدر شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته قال إبراهيم : كانوا ينهوننا ونحن صبيان عن العهد ، والشهادات .

[ ص: 301 ] قال أبو عمر : معنى هذا عندهم النهي عن قول الرجل أشهد بالله ، وعلي عهد الله ونحو ذلك ، والبدار إلى ذلك ، وإلى اليمين في كل ما لا يصلح ، وما يصلح ، والله أعلم .

وليس هذا الحديث من باب أداء الشهادة في شيء ، وقد سمى الله عز وجل أيمان اللعان شهادات ، فقال : فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله ، وهذا واضح يغني عن الإكثار فيه . وحديث أهل المدينة في هذا الباب حديث صحيح مستعمل لا يدفعه نظر ، ولا خبر ، والله المستعان .

وذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، قال : إذا كان عندك لأحد شهادة فسألك عنها فأخبره بها ، ولا تقل لا أخبرك إلا عند الأمير ، أخبره بها لعله أن يرجع ، أو يرعوي .

قال : وأخبرنا محمد بن مسلم ، عن إبراهيم بن ميسرة ، قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : خير الشهداء من أدى شهادته قبل أن يسأل عنها .

قال أبو عمر : أبو عمرة الأنصاري ، والد عبد الرحمن بن أبي عمرة هذا اسمه ثعلبة بن عمرو بن محصن .




الخدمات العلمية