الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب الولاء

( قال رضي الله عنه ) : اعلم بأن الولاء نوعان ولاء عتاقة وولاء موالاة فصورة ولاء العتاقة أن يعتق الرجل عبدا أو أمة فيصير المعتق منسوبا إلى المعتق بالولاء ويسمى هذا ولاء النعمة وولاء العتاقة ، وبهذا الولاء يرث الأعلى من الأسفل ولا يرث الأسفل من الأعلى شيئا ويستوي إن كان أعتقه لوجه الله تعالى أو لوجه السلطان أو أعتقه سائبة أو بشرط أن لا ولاء عليه ويستوي إن أعتقه بجعل أو بغير جعل أو بطريق الكتابة وقال مالك إن أعتقه لا لوجه الله تعالى أو بشرط أن لا ولاء له عليه فلا ; لأن هذه صلة شرعية يعني ميراث المعتق من المعتق فإنما يستحق هذه الصلة من يعتق لوجه الله تعالى ، فأما المعتق لوجه السلطان جان في قصده فيحرم هذه الصلة والذي يصرح بنفي الولاية يكون مراده لهذه الصلة فلا يكون مستحقا لها ونظيره الرجعة عقيب الطلاق لما كان ثبوته شرعا بطريق النظر لم يثبت عنده التصريح بالحرمة والبينونة فهذا مثله وحجتنا في ذلك أن السبب متحقق مع قصده وشرطه ، وهذا الإعتاق والحكم يتبع السبب والدليل على أن السبب الإعتاق قوله عليه السلام { الولاء لمن أعتق } { ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد فساومه ولم يشتره ، ثم مر بآخر فساومه فاشتراه وأعتقه ، فقال عليه السلام هو أخوك ومولاك } .

ولم يستفسره أنه أعتقه لوجه الله تعالى أو أعتقه سائبة ، ولأن المعنى الذي لأجله يثبت الولاء يختلف بهذه الأسباب ، وهو أن المعتق مسبب لإحياء المعتق ; لأن الحرية حياة والرق تلف فإن الحرية تثبت صفة المالكية التي بها امتاز الآدمي من سائر الحيوانات فكان المعتق سببا لإحياء المعتق كما أن الأب سبب لإيجاد [ ص: 39 ] الولد فكما أن الولد يصير منسوبا إلى أبيه بالنسب والمعتق يصير منسوبا إلى معتقه بالولاء ، وهذا معنى قوله عليه السلام { الولاء لحمة كلحمة النسب } وإليه أشار الله تعالى في قوله { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه } الآية أي أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالإعتاق فإن الكافر في معنى الميت ، قال الله تعالى { أومن كان ميتا فأحييناه } فبالإسلام يحيا حكما والرقيق في حكم الهالك فبالعتق يحيا حكما فالمسبب لإحيائه يكون منعما عليه ، وإذا ثبت أن المعنى الذي لأجله ثبت الولاء لا يختلف باعتبار هذه المعاني قلنا لا يختلف الحكم أيضا ، ثم الولاء بمنزلة النسب لا يورث عنه ولكن يورث به عندنا ، وكان إبراهيم النخعي يقول : الولاء جزء من الملك يورث عنه كسائر أجزاء الملك قال : لأنه ليس للمولى على مملوكه شيء سوى الملك ، والإعتاق إبطال للملك فلا يجوز أن يكون مثبتا شيئا آخر سواه ولكن يجوز أن يكون مبطلا بعض الملك غير مبطل للبعض فما يبقى يكون جزءا من الملك ولكنا نستدل بقوله عليه السلام { الولاء لحمة كلحمة النسب } والنسب لا يورث عنه ، وإنما يورث به ، ثم الإعتاق إبطال للملك ومع إبطال الملك لا يجوز أن يبقى شيء من الملك ولكنه إحداث القوة المالكية وذلك بمنزلة إحيائه حكما فيعقب ذلك المعنى الولاء بمنزلة النسب ، ثم المروي عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد أنهم قالوا الولاء للكبر وزعم بعض العلماء بظاهر هذا اللفظ أن الولاء لأكبر بني المعتق بعده وقال الأكبر قائم مقام الأب في الذب عن العشيرة { ورسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الأكبر بقوله الكبر } فيقدم أكبر البنين في استحقاق الولاء لهذا والمذهب عندنا أن المراد بالأكبر الأقرب يعني أن أقرب البنين أولى باستحقاق الميراث بالولاء حتى إذا مات المعتق عن ابن وابن ابن فالولاء للابن خاصة دون ابنه في قول .

وكذلك إن مات عن ابن ابن وابن ابن ابن فالميراث بالولاء لابن الابن خاصة ; لأنه أقرب .

التالي السابق


الخدمات العلمية