الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم سبب عن قولهم قوله : فعقروا الناقة أي : التي جعلها الله لهم آية ، وعبر بالعقر دون النحر لشموله كل سبب لقتلها لأن ابن إسحاق ذكر أنه اجتمع لها ناس منهم ، فرماها أحدهم بسهم وضرب آخر قوائمها بالسيف ونحرها آخر فأطلق اسم السبب على المسبب ، ولكن قوله تعالى : فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر وقوله إذ انبعث أشقاها وقوله - صلى الله عليه وسلم - (انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في قومه) قالوا : هو قدار بن سالف ، جعلت له امرأة من قومه ابنتها إن عقرها ، ففعل فكان أشقى الأولين ، وأشقى الآخرين : عبد الرحمن بن ملجم المرادي قاتل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - [ ص: 448 ] جعلت له قطام - امرأة من بني عجل جميلة - نفسها إن قتله ، فالمناسبة بينهما أن كلا منهما ألقى نفسه في المعصية العظمى لأجل شهوة فرجه في زواج امرأة . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (أشقى الأولين عاقر الناقة)

                                                                                                                                                                                                                                      يدل على أن عاقرها رجل واحد ، وحينئذ يكون المراد به قطع القوائم ، فحيث جمع أراد الحقيقة والمجاز معا ، وحيث أفرد أراد الحقيقة فقط ، فالتعبير به لأنه الأصل والسبب الأعظم في ذبح الإبل; قال البغوي : قال الأزهري : العقر هو قطع عرقوب البعير ، ثم جعل النحر عقرا لأن ناحر البعير يعقره ثم ينحره . انتهى . وكأن هذا إشارة إلى أن المراد بالعقر في كلامه النحر ، ولا ريب في أن أصل العقر في اللغة القطع ، ومادته تدور على ذلك ، عقر النخلة . إذا قطع رأسها فيبست ، والفرس : ضرب قوائمها بالسيف وأكثر ما يستعمل العقر في الفساد ، وأما النحر فيستعمل غالبا في الانتفاع بالمنحور لحما وجلدا وغيرهما ، فلعل التعبير به دون النحر إشارة إلى أنهم لم يقصدوا بنحرها إلا إهلاكها عتوا على الله وعنادا وفعلا للسوء مخالفة لنهي صالح - عليه السلام - ولا يشكل ذلك بما ورد من أنهم اقتسموا لحمها ؛ لأنه لم يدع أن العقر يلزمه عدم الانتفاع بالمنحور ، وعلى التنزل فهم لم يريدوا بذلك الانتفاع باللحم ، وإنما قصدوا - حيث لم يمكنهم المشاركة جميعا في العقر - أن يشتركوا [ ص: 449 ] فيما نشأ عنه تعريضا برضاهم به ومشاركتهم فيه بما يمكنهم وعتوا أي : تجاوزوا الحد في الغلظة والتكبر عن أمر أي : امتثال أمر ربهم أي : المحسن إليهم الذي أتاهم على لسان رسوله من تركها وقالوا زيادة في العتو يا صالح ائتنا

                                                                                                                                                                                                                                      ولما نزلوا وعيدهم له - حيث لم يؤمنوا به - منزلة الوعد والبشارة ، قالوا : بما تعدنا استخفافا منهم ومبالغة في التكذيب ، [كأنهم يقولون : نحن على القطع بأنك لا تقدر أن تأتينا بشيء من ذلك ، وإن كنت] صادقا فافعل ولا تؤخره رفقا بنا وشفقة علينا ، فإنا لا نتأذى بذلك ، بل نتلذذ به تلذذ من يلقى الوعد الحسن ، وحاصله التهكم منهم به والإشارة إلى عدم قدرته; وأكدوا ذلك بقولهم بأداة الشك : إن كنت من المرسلين أي : الذين سمعنا أخبارهم فيما مضى;

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية