الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1630 [ ص: 442 ] (باب ما فيه العشر أو نصف العشر)

                                                                                                                              وذكره النووي في (كتاب الزكاة) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 54 ج 7 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عمرو بن الحارث، أن أبا الزبير حدثه أنه سمع جابر بن عبد الله يذكر: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سقت الأنهار والغيم العشور. وفيما سقي بالسانية نصف العشر

                                                                                                                              "]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن جابر بن عبد الله ) رضي الله عنهما، (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سقت الأنهار والغيم العشور".)

                                                                                                                              قال النووي : ضبطناه: (العشور) بضم العين: جمع "عشر".

                                                                                                                              وقال عياض : ضبطناه عن عامة شيوخنا، بفتح العين. جمع. وهو اسم للمخرج من ذلك.

                                                                                                                              وقال صاحب "مطالع الأنوار": أكثر الشيوخ يقولونه بالضم. وصوابه: الفتح.

                                                                                                                              وهذا الذي ادعاه من الصواب، ليس بصحيح. وقد اعترف بأن أكثر الرواة، رووه بالضم. وهو الصواب. جمع "عشر".

                                                                                                                              [ ص: 443 ] وقد اتفقوا على قولهم: عشور أهل الذمة، بالضم، وهو الصواب. جمع "عشر". ولا فرق بين اللفظين.

                                                                                                                              وأما "الغيم" هنا، فبفتح الغين المعجمة، وهو المطر.

                                                                                                                              وجاء في غير مسلم: "الغيل" باللام. قال أبو عبيد: هو ما جرى من المياه في الأنهار. وهو سيل دون السيل الكبير.

                                                                                                                              وقال ابن السكيت : هو الماء الجاري على الأرض.

                                                                                                                              (وفيما سقي بالسانية، نصف العشر) .

                                                                                                                              (والسانية) : البعير الذي يسقى به الماء من البئر. ويقال له: الناضح.

                                                                                                                              يقال منه: (سنا يسنو) إذا أسقي به.

                                                                                                                              قال النووي : وفي هذا الحديث، وجوب العشر: فيما سقي بماء السماء والأنهار ونحوها، مما ليس فيه مئونة كثيرة.

                                                                                                                              ونصف العشر: فيما سقي بالنواضح وغيرها، ما فيه مئونة كثيرة. وهذا متفق عليه. ولكن اختلف العلماء في أنه:

                                                                                                                              هل تجب الزكاة، في كل ما أخرجت الأرض: من الثمار، والزروع، والرياحين، وغيرها، إلا الحشيش والحطب، ونحوهما؟ أم يختص؟.

                                                                                                                              [ ص: 444 ] فعمم أبو حنيفة . وخص الجمهور: على اختلاف لهم فيما يختص به. وهو معروف في كتب الفقه. انتهى.

                                                                                                                              أقول: الأحاديث الواردة في أنه: (لا زكاة في الخضراوات) ، قد أوضح الشوكاني في شرحه للمنتقى: أنه يقوي بعضها بعضا، ويشهد بعضها لبعض. فهي صالحة لتخصيص العمومات، كحديث الباب ونحوه.

                                                                                                                              وهكذا الأحاديث الواردة: بأن الزكاة لا تجب، إلا في أربعة أجناس: (البر، والشعير، والتمر، والزبيب) فإنها تنتهض بمجموعها للعمل بها.

                                                                                                                              ثم إن المالك، إنما يزكي ما دخل في ملكه، بعد حصاده ودياسه؛ فلا تجب عليه زكاة ما خرج من المؤن، التي لا يتم الحصاد والدياس إلا بها.

                                                                                                                              ليس له أن يخرج: مؤن الحرث، والسفي، والبذر، ونحوها.

                                                                                                                              فإنه لم يثبت في ذلك شيء: لا في أيام النبوة، ولا فيما بعدها.

                                                                                                                              ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إنما أوجب الزكاة فيما قد أحصد وعرف مقداره، كما يفيده قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) .

                                                                                                                              فالوجوب متعلق بالنصاب، وهو الخمسة الأوسق. ولم يعرف قدر النصاب، إلا بعد الحصاد.

                                                                                                                              [ ص: 445 ] وأيضا ما دام ما أخرجته الأرض، هو معرض للجوائح: بالآفات السماوية والأرضية. فلو وجبت الزكاة فيه قبل حصاده، لكان إيجابها قبل ثبوت الملك.

                                                                                                                              وهكذا الضمان، لا يكون إلا بعد ثبوت الملك، وتقرره.

                                                                                                                              والشيء الذي يخرج دفعات، يخرج كل دفعة من دفعاته؛ لأنها لا تحصل الدفعة الثانية، إلا وقد فسدت الدفعة الأولى.

                                                                                                                              وقد ثبت في خرص العنب والتمر، أحاديث تقوم بها الحجة.

                                                                                                                              بل ثبت في الصحيحين، من حديث أبي حميد الساعدي:

                                                                                                                              (أنه صلى الله عليه وسلم خرص حديقة امرأة بنفسه) . و"فيه" قصة.

                                                                                                                              ولكن هذا الخرص، مقيد بما أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي . وابن حبان، والحاكم، وصححاه:

                                                                                                                              قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا خرصتم، فخذوا ودعوا الثلث. فإن لم تدعوا الثلث، فدعوا الربع ".

                                                                                                                              وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة، فيخرص النخل حين يطيب، قبل أن يؤكل: ليهود [ ص: 446 ] خيبر. يأخذونه بذلك الخرص. أو يدفعونه إليهم، بذلك الخرص) .

                                                                                                                              أخرجه أحمد، وأبو داود .

                                                                                                                              وفي هذا: أنه ينبغي خرص الرطب بعد صلاحه .

                                                                                                                              وأما العسل، ففي كل عشرة أزقاق "زق".

                                                                                                                              وفي الباب أحاديث، فيها ضعف، لكن يقوي بعضها بعضا، ويشهد بعضها البعض، فتنتهض للاحتجاج بها.

                                                                                                                              وقد استوفى الشوكاني البحث، في شرحه للمنتقى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية