الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون

                                                                                                                                                                                                                                        (84 - 85) أي: قل لهؤلاء المكذبين بالبعث، العادلين بالله غيره، محتجا عليهم بما أثبتوه وأقروا به من توحيد الربوبية، وانفراد الله بها، على ما أنكروه من توحيد الإلهية والعبادة، وبما أثبتوه من خلق المخلوقات العظيمة على ما أنكروه من إعادة الموتى، الذي هو أسهل من ذلك: لمن الأرض ومن فيها ؛ أي: من هو الخالق للأرض ومن عليها، من حيوان ونبات وجماد وبحار وأنهار وجبال، المالك [ ص: 1143 ] لذلك، المدبر له؟ فإنك إذا سألتهم عن ذلك لا بد أن يقولوا: الله وحده. فقل لهم إذا أقروا بذلك: أفلا تذكرون ؛ أي: أفلا ترجعون إلى ما ذكركم الله به، مما هو معلوم عندكم، مستقر في فطركم، قد يغيبه الإعراض في بعض الأوقات، والحقيقة أنكم إن رجعتم إلى ذاكرتكم بمجرد التأمل علمتم أن مالك ذلك هو المعبود وحده، وأن إلهية من هو مملوك أبطل الباطل. (86 -87) ثم انتقل إلى ما هو أعظم من ذلك، فقال: قل من رب السماوات السبع وما فيها من النيرات والكواكب السيارات والثوابت ورب العرش العظيم الذي هو أعلى المخلوقات وأوسعها وأعظمها، فمن الذي خلق ذلك ودبره، وصرفه بأنواع التدبير؟ سيقولون لله ؛ أي: سيقرون بأن الله رب ذلك كله. قل لهم حين يقرون بذلك: أفلا تتقون عبادة المخلوقات العاجزة، وتتقون الرب العظيم، كامل القدرة، عظيم السلطان؟! وفي هذا من لطف الخطاب من قوله: أفلا تذكرون أفلا تتقون والوعظ بأداة العرض الجاذبة للقلوب، ما لا يخفى. (88 -89) ثم انتقل إلى إقرارهم بما هو أعم من ذلك كله فقال: قل من بيده ملكوت كل شيء ؛ أي: ملك كل شيء من العالم العلوي والعالم السفلي، ما نبصره وما لا نبصره؟. و"الملكوت" صيغة مبالغة بمعنى الملك. وهو يجير عباده من الشر، ويدفع عنهم المكاره، ويحفظهم مما يضرهم، ولا يجار عليه ؛ أي: لا يقدر أحد أن يجير على الله. ولا يدفع الشر الذي قدره الله، بل ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، سيقولون لله ؛ أي: سيقرون أن الله المالك لكل شيء، المجير، الذي لا يجار عليه، قل لهم حين يقرون بذلك، ملزما لهم، فأنى تسحرون ؛ أي: فأين تذهب عقولكم، حيث عبدتم من علمتم أنهم لا ملك لهم، ولا قسط من الملك، وأنهم عاجزون من جميع الوجوه، وتركتم الإخلاص للمالك العظيم القادر المدبر لجميع الأمور؟ فالعقول التي دلتكم على هذا لا تكون إلا مسحورة، وهي - بلا شك- قد سحرها الشيطان، بما زين لهم، وحسن لهم، وقلب الحقائق لهم، فسحر عقولهم، كما سحرت السحرة أعين الناس.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية