الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان كأنه قيل : هذا التقريع يوجب غاية الاستحياء ، بل إنه [ ص: 456 ] يذهب كل من سمعه منهم إلى مكان لا يعرف فيه سترا لحاله ، فيا ليت شعري ما كان حالهم عنده! فقيل : كان كأنهم أجابوه بوقاحة عظيمة وفجور زائد على الحد ، فما كان جوابهم إلا أذى لوط - عليه السلام - وآله بما استحقوا منهم به شديد الإنذار الذي هو مقصود السورة - عطف عليه قوله : وما كان جواب قومه أي : الذين هم أهل قوة شديدة وعزم عظيم وقدرة على القيام بما يحاولونه إلا أن قالوا

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المقصود بيان أنهم أسرعوا إجابته بما ينكيه أضمر ما لا يشكل بالإضمار ، [أو أنه لما كان السياق لبيان الخبيث بين أنه لا أخبث من هؤلاء الذين بلغ من رذالتهم أنهم عدوا الطاهرين المتطهرين مما يصان اللسان عن ذكره] فقال تعالى مشيرا إلى ذلك في حكاية قولهم : أخرجوهم أي : المحدث عنهم ، وهم لوط ومن انضم إليه من قريتكم والمراد ببيان الإسراع في هذا تسلية النبي - صلى الله عليه وسلم - من رد قومه لكلامه لئلا يكون في صدره حرج من إنذارهم ، ثم عللوا إخراجهم بقولهم : إنهم أناس أي : ضعفاء يتطهرون وكأنهم قصدوا بالتفعل نسبتهم إلى محبة هذا الفعل القبيح ، وأن تركهم له إنما هو تصنع وتكليف لنفوسهم بردها عما هي مائلة إليه ، وإقبال على الطهر من غير وجهة وإظهار له رياء بما أشار إليه إظهار تاء [ ص: 457 ] التفعيل ، وفيه - مع ذلك - حرف من السخرية ، وحصر جوابهم في هذا المعنى المؤدي بهذا اللفظ لا ينافي آية (العنكبوت) القائلة : فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله ؛ لأن إطلاق الجواب على هذا يجوز ، والمعنى : فما كان قولهم - في جوابه - إلا إتيانهم بما لا يصلح جوابا ، وذلك مضمون هذا القول وغيره مما لا يتعلق بالجواب ، أو أن هذا الجواب لما كان - لما فيه من التكذيب والإيذان بالإصرار والإغلاظ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستلزما للعذاب ، كانوا كأنهم نطقوا به فقالوا ائتنا بعذاب الله جعل نطقهم بالسبب نطقا بالمسبب ، أو أنهم استعملوا لكل مقام مقالا ، ويؤيده أن المعنى لما اتحد هنا وفي النمل حصر الجواب في هذا ، أي : فما كان جوابهم لهذا القول إلا هذا; ولما زادهم في (العنكبوت) في التقريع فقال : أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر أتوه بأبلغ من هذا تكذيبا واستهزاء ؛ فقالوا : ائتنا بعذاب الله - الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية