الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الشرب في آنية الذهب

                                                                                                                                                                                                        5309 حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى قال كان حذيفة بالمداين فاستسقى فأتاه دهقان بقدح فضة فرماه به فقال إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته وإن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الحرير والديباج والشرب في آنية الذهب والفضة وقال هن لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب الشرب في آنية الذهب ) كذا أطلق الترجمة ، وكأنه استغنى عن ذكر الحكم بما صرح به بعد في كتاب الأحكام أن نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - على التحريم حتى يقوم دليل الإباحة . وقد وقع التصريح في حديث الباب بالنهي والإشارة إلى الوعيد على ذلك ، ونقل ابن المنذر الإجماع على تحريم الشرب في آنية الذهب والفضة إلا عن معاوية بن قرة أحد التابعين فكأنه لم يبلغه النهي ، وعن الشافعي في القديم ونقل عن نصه في حرملة أن النهي فيه للتنزيه لأن علته ما فيه من التشبه بالأعاجم ، ونص في الجديد على التحريم ، ومن أصحابه من قطع به عنه ، وهذا اللائق به لثبوت الوعيد عليه بالنار كما سيأتي في الذي يليه . وإذا ثبت ما نقل عنه فلعله كان قبل أن يبلغه الحديث المذكور ، ويؤيد وهم النقل أيضا عن نصه في حرملة أن صاحب " التقريب " نقل في كتاب الزكاة عن نصه في حرملة تحريم اتخاذ الإناء من الذهب أو الفضة ، وإذا حرم الاتخاذ فتحريم الاستعمال أولى ، والعلة المشار إليها ليست متفقا عليها ، بل ذكروا للنهي عدة علل : منها ما فيه من كسر قلوب الفقراء ، أو من الخيلاء والسرف ، ومن تضييق النقدين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن ابن أبي ليلى ) هو عبد الرحمن ، وفي رواية غندر عن شعبة عن الحكم " سمعت ابن أبي ليلى " أخرجه مسلم والترمذي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كان حذيفة بالمدائن ) ، عند أحمد من طريق يزيد عن ابن أبي ليلى " كنت مع حذيفة بالمدائن " والمدائن اسم بلفظ جمع مدينة ، وهو بلد عظيم على دجلة بينها وبين بغداد سبعة فراسخ كانت مسكن ملوك الفرس ، وبها إيوان كسرى المشهور ، وكان فتحها على يد سعد بن أبي وقاص في خلافة عمر سنة ست عشرة وقيل : قبل ذلك ، وكان حذيفة عاملا عليها في خلافة عمر ثم عثمان إلى أن مات بعد قتل عثمان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فاستسقى فأتاه دهقان ) بكسر الدال المهملة ويجوز ضمها بعدها هاء ساكنة ثم قاف ، هو كبير القرية بالفارسية ، ووقع في رواية أحمد عن وكيع عن شعبة " استسقى حذيفة من دهقان أو علج " وتقدم في الأطعمة من طريق سيف عن مجاهد عن ابن أبي ليلى " أنهم كانوا عند حذيفة ، فاستسقى ، فسقاه مجوسي " ولم أقف على اسمه بعد البحث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بقدح فضة ) في رواية أبي داود عن حفص شيخ البخاري فيه " بإناء من فضة " ولمسلم من طريق عبد الله بن عكيم " كنا عند حذيفة فجاءه دهقان بشراب في إناء من فضة " ويأتي في اللباس عن سليمان بن حرب عن شعبة بلفظ " بماء في إناء " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فرماه به ) في رواية وكيع " فحذفه به " ويأتي في الذي يليه بلفظ " فرمى به في وجهه " ولأحمد من [ ص: 98 ] رواية يزيد عن ابن أبي ليلى " ما يألو أن يصيب به وجهه " زاد في رواية الإسماعيلي وأصله عند مسلم : فرماه به فكسره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال : إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته ) في رواية الإسماعيلي المذكورة " لم أكسره إلا أني نهيته فلم يقبل " وفي رواية وكيع " ثم أقبل على القوم فاعتذر " وفي رواية يزيد " لولا أني تقدمت إليه مرة أو مرتين لم أفعل به هذا " وفي رواية عبد الله بن عكيم " إني أمرته أن لا يسقيني فيه " ويأتي في الذي بعده مزيد فيه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن الحرير والديباج ) سيأتي في اللباس التصريح ببيان النهي عن لبسهما ، وفيه بيان الديباج ما هو .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والشرب في آنية الذهب والفضة ) وقع في الذي يليه بلفظ لا تشربوا ولا تلبسوا وكذا عند أحمد من وجه آخر عن الحكم ، كذا وقع في معظم الروايات عن حذيفة الاقتصار على الشرب ووقع عند أحمد من طريق مجاهد عن ابن أبي ليلى بلفظ " نهى أن يشرب في آنية الذهب والفضة ، وأن يؤكل فيها " ويأتي نحوه في حديث أم سلمة في الباب الذي يليه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال : هن لهم في الدنيا ، وهن لكم في الآخرة ) كذا فيه بلفظ " هن " بضم الهاء وتشديد النون في الموضعين . وفي رواية أبي داود عن حفص بن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ " هي " بكسر الهاء ثم التحتانية ، وكذا في رواية غندر عن شعبة ، ووقع عند الإسماعيلي وأصله في مسلم " هو " أي جميع ما ذكر . قال الإسماعيلي : ليس المراد بقوله : " في الدنيا " إباحة استعمالهم إياه وإنما المعني بقوله " لهم " أي هم الذين يستعملونه مخالفة لزي المسلمين . وكذا قوله ولكم في الآخرة أي تستعملونه مكافأة لكم على تركه في الدنيا ، ويمنعه أولئك جزاء لهم على معصيتهم باستعماله . قلت : ويحتمل أن يكون فيه إشارة إلى أن الذي يتعاطى ذلك في الدنيا لا يتعاطاه في الآخرة كما تقدم في شرب الخمر ، ويأتي مثله في لباس الحرير ، بل وقع في هذا بخصوصه ما سأبينه في الذي قبله .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 99 ]



                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية