الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله " بلا كيفية " أي : لا تعرف كيفية تكلمه به قولا ليس بالمجاز ، وأنزله على رسوله وحيا ، أي : أنزله إليه على لسان الملك ، فسمعه الملك جبريل من الله ، وسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم من الملك ، [ ص: 196 ] وقرأه على الناس . قال تعالى : وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ( الإسراء : 106 ) . وقال تعالى : نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ( الشعراء : 195 ) . وفي ذلك إثبات صفة العلو لله تعالى .

وقد أورد على ذلك أن إنزال القرآن نظير إنزال المطر ، و إنزال الحديد ، وإنزال ثمانية أزواج من الأنعام .

والجواب : أن إنزال القرآن فيه مذكور أنه إنزال من الله . قال تعالى : حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ( غافر : 1 - 2 ) . وقال تعالى : تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ( الزمر : 1 ) . وقال تعالى : تنزيل من الرحمن الرحيم ( فصلت : 2 ) . وقال تعالى : تنزيل من حكيم حميد . وقال تعالى : ( فصلت : 42 ) إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين ( الدخان : 53 ) . وقال تعالى : فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين ( القصص : 49 ) . وقال تعالى : والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ( الأنعام : 114 ) . وقال تعالى : قل نزله روح القدس من ربك بالحق ( النحل : 102 ) . وإنزال المطر مقيد بأنه منزل من السماء . قال تعالى : أنزلنا من السماء ماء طهورا ( الرعد : 17 ) . والسماء : العلو . وقد جاء في مكان آخر أنه منزل من المزن ، والمزن : السحاب . وفي مكان آخر أنه منزل من المعصرات . وإنزال الحديد والأنعام مطلق ، فكيف يشتبه هذا الإنزال [ ص: 197 ] بهذا الإنزال ، وهذا الإنزال بهذا الإنزال ؟ ! فالحديد إنما يكون من المعادن التي في الجبال ، وهي عالية على الأرض ، وقد قيل : إنه كلما كان معدنه أعلى كان حديده أجود . والأنعام تخلق بالتوالد المستلزم إنزال الذكور الماء من أصلابها إلى أرحام الإناث ، ولهذا يقال : أنزل ولم ينزل ثم الأجنة تنزل من بطون الأمهات إلى وجه الأرض . ومن المعلوم أن الأنعام تعلو فحولها إناثها عند الوطء ، وينزل ماء الفحل من علو إلى رحم الأنثى ، وتلقي ولدها عند الولادة من علو إلى سفل . وعلى هذا فيحتمل قوله ، وأنزل لكم من الأنعام ( الزمر : 6 ) : وجهين : أحدهما ، أن تكون ( من ) لبيان الجنس . الثاني : أن تكون ( من ) لابتداء الغاية . وهذان الوجهان يحتملان في قوله : جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا ( الشورى : 11 )

وقوله : " وصدقه المؤمنون على ذلك حقا " الإشارة إلى ما ذكره من التكلم به على الوجه المذكور وإنزاله ، أي : هذا قول الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، وهم السلف الصالح ، وأن هذا حق وصدق .

التالي السابق


الخدمات العلمية