الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله . الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج أحمد ، والبخاري ومسلم ، وأبو داود ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال : ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا : منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار ، وابن جرير ، وابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ورجب مضر بين جمادى وشعبان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عمر قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى في أوسط أيام التشريق فقال : يا أيها الناس إن الزمان قد استدار فهو اليوم كهيئته يوم خلق الله [ ص: 340 ] السماوات والأرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم أولهن رجب مضر بين جمادى وشعبان وذو القعدة وذو الحجة والمحرم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض منها أربعة حرم ثلاث متواليات رجب مضر حرام، ألا وإن النسيء زيادة في الكفر، يضل به الذين كفروا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والباوردي، وابن مردويه ، عن أبي حرة الرقاشي عن عمه - وكانت له صحبة - قال : كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود الناس عنه فقال : يا أيها الناس هل تدرون في أي شهر أنتم؟ وفي أي يوم أنتم؟ وفي أي بلد أنتم؟ قالوا : في يوم حرام وشهر حرام وبلد حرام قال : فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه . ثم قال : اسمعوا مني تعيشوا ألا لا تظالموا ألا لا تظالموا إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه، ألا إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بني ليث فقتله هذيل، ألا وإن كل ربا كان في الجاهلية موضوع، وإن الله قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا [ ص: 341 ] تظلمون، ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، ألا وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم، ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم واتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإن لهن عليكم حقا ولكم عليهن حقا أن لا يوطئن فرشكم أحدا غيركم ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه، فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها . وبسط يديه، وقال : اللهم هل بلغت ألا هل بلغت . ثم قال : ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أسعد من سامع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن مردويه ، عن ابن عباس : منها أربعة حرم قال : المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن الضحاك قال : إنما سمين حرما لئلا يكون فيهن حرب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن ابن عباس : ذلك الدين القيم [ ص: 342 ] قال : القضاء القيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود والبيهقي في "شعب الإيمان" عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم انطلق فأتاه بعد سنة، وقد تغيرت حاله وهيئته فقال : يا رسول الله أما تعرفني؟ قال : ومن أنت؟ قال : أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول، قال : فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة؟ قال : ما أكلت طعاما منذ فارقتك إلا بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم عذبت نفسك؟ ثم قال : صم شهر الصبر ويوما من كل شهر، قال : زدني فإن لي قوة، قال : صم يومين، قال : زدني، قال : صم ثلاثة أيام، قال : زدني، قال : صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك . وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في "الأوسط" عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة سنتين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مسلم وأبو داود عن عثمان بن حكيم قال : سألت سعيد بن جبير عن صيام رجب فقال : أخبرني ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 343 ] وأخرج البيهقي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صام يوما من رجب كان كصيام سنة، ومن صام سبعة أيام غلقت عنه سبعة أبواب جهنم، ومن صام ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة، ومن صام عشرة أيام لم يسأل الله عز وجل شيئا إلا أعطاه، ومن صام خمسة عشر يوما نادى مناد من السماء قد غفرت لك ما سلف فاستأنف العمل قد بدلت سيئاتكم حسنات، ومن زاد زاده الله، وفي رجب حمل نوح في السفينة، فصام نوح وأمر من معه أن يصوموا، وجرت بهم السفينة ستة أشهر إلى آخر ذلك لعشر خلون من المحرم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي والأصبهاني عن أبي قلابة قال : في الجنة قصر لصوام رجب قال البيهقي : موقوف على أبي قلابة وهو من التابعين، فمثله لا يقول ذلك إلا عن بلاغ عمن فوقه ممن يأتيه الوحي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي وضعفه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصم بعد رمضان إلا رجب وشعبان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي وضعفه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن رجب شهر الله ويدعى الأصم وكان أهل الجاهلية إذا دخل رجب يعطلون أسلحتهم ويضعونها، فكان الناس ينامون وتأمن السبل، ولا يخافون بعضهم بعضا، حتى ينقضي .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 344 ] وأخرج البيهقي عن قيس بن أبي حازم قال : كنا نسمي رجب الأصم في الجاهلية من شدة حرمته في أنفسنا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري والبيهقي عن أبي رجاء العطاردي قال : كنا في الجاهلية إذا دخل رجب نقول : جاء منصل الأسنة لا ندع حديدة في سهم، ولا حديدة في رمح إلا انتزعناها فألقيناها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي وضعفه عن سلمان الفارسي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في رجب يوم وليلة من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة كان كمن صام من الدهر مائة سنة وقام مائة سنة، وهو لثلاث بقين من رجب، وفيه بعث الله محمدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي وضعفه عن أنس مرفوعا : في رجب ليلة يكتب للعامل فيها حسنات مائة سنة وذلك لثلاث بقين من رجب، فمن صلى فيها اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة من القرآن يتشهد في كل ركعتين ويسلم في آخرهن، ثم يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر مائة مرة، ويستغفر الله مائة مرة، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة ويدعو لنفسه ما شاء من أمر دنياه وآخرته، ويصبح صائما فإن الله يستجيب دعاءه كله إلا أن يدعو في معصية، قال البيهقي : هذا أضعف من الذي قبله .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 345 ] وأخرج البيهقي وقال : إنه منكر بمرة عن أنس مرفوعا : خيرة الله من الشهور شهر رجب وهو شهر الله، من عظم شهر رجب فقد عظم أمر الله، ومن عظم أمر الله أدخله جنات النعيم وأوجب له رضوانه الأكبر، وشعبان شهري فمن عظم شهر شعبان فقد عظم أمري، ومن عظم أمري كنت له فرطا وذخرا يوم القيامة، وشهر رمضان شهر أمتي فمن عظم شهر رمضان وعظم حرمته ولم ينتهكه، وصام نهاره وقام ليله، وحفظ جوارحه خرج من رمضان وليس عليه ذنب يطلبه الله به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن ماجه والبيهقي وضعفه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم رجب كله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله قال : يعرف بها شأن النسيء ما نقص من السنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن ابن عباس في قوله : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله ثم [ ص: 346 ] اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرما وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم : فلا تظلموا فيهن أنفسكم قال : في كلهن : وقاتلوا المشركين كافة يقول : جميعا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة في قوله : فلا تظلموا فيهن أنفسكم قال : إن الظلم في الشهر الحرام أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواه، وإن كان الظلم على كل حال عظيما، ولكن الله يعظم من أمره ما شاء وقال : إن الله اصطفى صفايا من خلقه اصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس رسلا، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر فعظموا ما عظم الله، فإنما تعظم الأمور لما عظمها الله به عند أهل الفهم والعقل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس : فلا تظلموا فيهن أنفسكم قال : في الشهور كلها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : فلا تظلموا فيهن أنفسكم قال : الظلم العمل لمعاصي الله والترك لطاعته .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 347 ] وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن مقاتل في قوله : وقاتلوا المشركين كافة قال : نسخت هذه الآية كل آية فيها رخصة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن كعب قال : اختار الله البلاد فأحب البلدان إلى الله البلد الحرام، واختار الله الزمان فأحب الزمان إلى الله الأشهر الحرم، وأحب الأشهر إلى الله ذو الحجة، وأحب ذي الحجة إلى الله العشر الأول منه، واختار الله الأيام فأحب الأيام إلى الله يوم الجمعة، واختار الله الليالي، فأحب الليالي إلى الله ليلة القدر، واختار الله ساعات الليل والنهار، فأحب الساعات إلى الله ساعات الصلوات المكتوبات، واختار الله الكلام فأحب الكلام إلى الله لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية