الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              4753 [ ص: 319 ] 14 - باب المسألة في القبر وعذاب القبر

                                                              587 \ 4586 - وعن البراء بن عازب رضي الله عنه ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله ، كأنما على رؤوسنا الطير ، وفي يده عود ينكت به في الأرض ، فرفع رأسه فقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر - مرتين أو ثلاثا - ، زاد في حديث جرير -وهو ابن عبد الحميد- هاهنا ، وقال : وإنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين، حين يقال له : يا هذا من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ .

                                                              قال هناد -وهو ابن السري- : ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله . فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ قال : فيقول : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولان له : وما يدريك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت ، زاد في حديث جرير : فذلك قول الله عز وجل يثبت الله الذين آمنوا الآية .

                                                              ثم اتفقا -يعني جرير بن عبد الحميد وأبا معاوية الضرير- قال : فينادي مناد من السماء أن قد صدق عبدي ، فأفرشوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة ، وألبسوه من الجنة ، قال : فيأتيه من روحها وطيبها ، قال : ويفتح له فيها مد بصره .

                                                              قال : وإن الكافر - فذكر موته - ، قال : وتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان، فيجلسانه فيقولان : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء، أن كذب عبدي، فأفرشوه من النار ، وألبسوه من [ ص: 320 ] النار ، وافتحوا له بابا إلى النار.

                                                              قال : فيأتيه من حرها وسمومها ، قال : ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، زاد في حديث جرير قال : ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبة من حديد، لو ضرب بها جبل لصار ترابا ، قال : فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين ، فيصير ترابا، قال : ثم تعاد فيه الروح
                                                              .

                                                              وأخرجه النسائي وابن ماجه مختصرا، وقد تقدم في كتاب الجنائز مختصرا .

                                                              وفي إسناده المنهال بن عمرو، وقد أخرج له البخاري في "صحيحه " حديثا واحدا، وقال يحيى بن معين: ثقة، وقال الإمام أحمد: تركه شعبة على عمد، وغمزه يحيى بن سعيد، وحكى عن شعبة، أنه تركه ، وقال ابن عدي : والمنهال بن عمرو هو صاحب حديث القبر- الحديث الطويل-، رواه [ ص: 321 ] عن زاذان عن البراء، ورواه عن منهال جماعة.

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: وقال أبو حاتم البستي: خبر الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء سمعه الأعمش، عن الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرو، وزاذان لم يسمع من البراء، فلذلك لم أخرجه.

                                                              فذكر له علتين: انقطاعه بين زاذان والبراء، ودخول الحسن بن عمارة بين الأعمش والمنهال.

                                                              وقال أبو محمد بن حزم: ولم يرو أحد في عذاب القبر أن الروح ترد إلى الجسد، إلا المنهال بن عمرو، وليس بالقوي، وقد قال تعالى : وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ، فصح أنهما حياتان وموتتان فقط، ولا ترد الروح إلا لمن كان ذلك آية له كمن أحياه عيسى عليه السلام، وكل من جاء فيه بذلك نص.

                                                              ولم أعلم أحدا طعن في هذا الحديث إلا أبا حاتم البستي وابن حزم، ومجموع ما ذكراه ثلاث علل: إحداها: ضعف المنهال، والثانية : أن الأعمش لم يسمعه من المنهال، والثالثة: أن زاذان لم يسمعه من البراء. وهذه علل واهية جدا.

                                                              [ ص: 322 ] فأما المنهال بن عمرو: فروى له البخاري في "صحيحه"، وقال يحيى بن معين والنسائي: المنهال ثقة، وقال الدارقطني: صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات".

                                                              والذي اعتمده أبو محمد بن حزم في تضعيفه: أن ابن أبي حاتم حكى عن شعبة، أنه تركه، وحكاه أحمد، عن شعبة. وهذا لو لم نذكر سبب تركه، لم يكن موجبا لتضعيفه; لأن مجرد ترك شعبة له لا يدل على ضعفه، فكيف وقد قال ابن أبي حاتم: إنما تركه شعبة، لأنه سمع في داره صوت قراءة بالتطريب.

                                                              وروى عن شعبة قال: أتيت منزل المنهال، فسمعت صوت الطنبور فرجعت.

                                                              فهذا سبب جرحه، ومعلوم أن شيئا من هذا لا يقدح في روايته، لأن غايته أن يكون عالما به مختارا له، ولعله متأول فيه، فكيف وقد يمكن أن لا يكون ذلك بحضوره، ولا إذنه ولا علمه؟! وبالجملة: فلا يرد حديث الثقات بهذا وأمثاله.

                                                              وأما العلة الثانية: وهي أن بين الأعمش فيه وبين المنهال: الحسن بن [ ص: 323 ] عمارة - فجوابها: أنه قد رواه، عن المنهال جماعة، كما قاله ابن عدي; فرواه عبد الرزاق، عن معمر، عن يونس بن حباب، عن المنهال، ورواه حماد بن سلمة، عن يونس، عن المنهال فبطلت العلة من جهة الحسن بن عمارة، ولم يضر دخول الحسن شيئا.

                                                              وأما العلة الثالثة: وهي أن زاذان لم يسمعه من البراء، فجوابها: من وجهين:

                                                              أحدهما: أن أبا عوانة الإسفراييني رواه في "صحيحه"، وصرح فيه بسماع زاذان له من البراء فقال: "سمعت البراء بن عازب" فذكره.

                                                              [ ص: 324 ] والثاني: أن ابن منده رواه عن الأصم: حدثنا الصنعاني، حدثنا أبو النضر، حدثنا عيسى بن المسيب، عن عدي بن ثابت، عن البراء - فذكره.

                                                              فهذا عدي [ق258] بن ثابت قد تابع زاذان. قال ابن منده: ورواه أحمد بن حنبل، ومحمود بن غيلان، وغيرهما، عن أبي النضر.

                                                              ورواه ابن منده أيضا من طريق محمد بن سلمة، عن خصيف الجزري، عن مجاهد، عن البراء.

                                                              قال أبو موسى الأصبهاني: "هذا حديث حسن مشهور بالمنهال، عن زاذان، وصححه أبو نعيم والحاكم وغيرهما.

                                                              [ ص: 325 ] وأما ما ظنه أبو محمد بن حزم من معارضة هذا الحديث لقوله تعالى : كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم الآية، وأنهما حياتان وموتتان لا غير.

                                                              فجوابه: أنه ليس في الحديث أنه يحيا حياة مستقرة في قبره، والحياتان المذكورتان في الآية: هما اللتان ذكرا في قوله تعالى : قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ، وهاتان حياتان مستقرتان، وأما رد الروح إليه في البرزخ للسؤال، فرد عارض لا يتصل به حياة تعد حياة ثالثة، فلا معارضة بين الحديث والقرآن بوجه من الوجوه، وبالله التوفيق.

                                                              وفي "الصحيحين"، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك، حتى يبعثك الله يوم القيامة .

                                                              وفي "صحيح مسلم"، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر .

                                                              وفي "صحيحه" أيضا، عن زيد بن ثابت قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار، على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه. وإذا أقبر ستة - أو خمسة أو أربعة - فقال: [ ص: 326 ] من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ فقال رجل: أنا، قال: فمتى مات هؤلاء ؟ قال: ماتوا في الإشراك، فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم عذاب القبر الذي أسمع منه، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار، فقالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، قال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال .

                                                              وفي "الصحيحين"، عن أبي أيوب قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما غربت الشمس فسمع صوتا، فقال: يهود تعذب في قبورها .

                                                              وفي "صحيح مسلم"، عن أم خالد: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يتعوذ من عذاب القبر .

                                                              وقد تقدم حديث أبي هريرة المتفق عليه : إذا تشهد أحدكم في صلاته فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب القبر، وعذاب جهنم ... الحديث .

                                                              وفي "الصحيحين"، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين، فقال: إنهما ليعذبان ... الحديث .

                                                              [ ص: 327 ] وفي "الصحيحين"، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يدعو بهذه الدعوات: اللهم إني أعوذ من فتنة النار، وعذاب النار، وفتنة القبر، وعذاب القبر ... الحديث.

                                                              وفي "الصحيحين"، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، ومن شر فتنة المحيا والممات .

                                                              وفي "الصحيحين"، عن عمرة : أن يهودية أتت عائشة تسألها. فقالت: أعاذك الله من عذاب القبر، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله يعذب الناس في القبور ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عائذا بالله ...- فذكر الحديث .

                                                              وفيه: ثم رفع وقد تجلت الشمس، فقال: إني رأيتكم تفتنون في القبور كفتنة الدجال، فكنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يتعوذ من عذاب النار وعذاب القبر
                                                              .

                                                              وفي لفظ للبخاري: فرجع ضحى... فقال: ما شاء الله أن يقول، ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر .

                                                              وفي "الصحيحين"، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت على عائشة، وهي تصلي، فقلت: ما شأن الناس يصلون ؟ فأشارت برأسها إلى السماء، فقلت: آية ؟ قالت نعم، فأطال [ ص: 328 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم القيام جدا، حتى تجلاني الغشي، فأخذت قربة من ماء، فجعلت أصب على رأسي، - أو على وجهي-، من الماء.

                                                              قالت: فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تجلت الشمس، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، ما من شيء لم أكن رأيته إلا قد رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار، وإنه قد أوحي إلي: أنكم تفتنون في قبوركم قريبا- أو مثل - فتنة المسيح الدجال - لا أدري أي ذلك قالت أسماء ؟ - فيؤتى أحدكم، فيقال: ما علمك بهذا الرجل ؟ فأما المؤمن أو الموقن - لا أدري أي ذلك قالت أسماء - فيقول: هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وأطعنا (ثلاث مرات فيقال له: قد كنا نعلم أنك تؤمن به، فنم صالحا، وأما المنافق - أو المرتاب - لا أدري: أي ذلك قالت أسماء فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلت
                                                              .

                                                              وفي "صحيح ابن حبان" من حديث أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله [ق259] عليه وسلم ذكر فتاني القبر، فقال عمر رضي الله عنه: أترد علينا عقولنا يا رسول الله ؟ فقال: نعم كهيئتكم [ ص: 329 ] اليوم، قال : فبفيه الحجر .

                                                              وفي "صحيحه" أيضا، من حديث سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قبر أحدكم - أو الإنسان - أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما: المنكر والآخر: النكير، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل (لمحمد صلى الله عليه وسلم ؟ فهو قائل ما كان يقول، فإن كان مؤمنا قال: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، فيقولان له : إن كنا لنعلم إنك تقول ذلك، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا، في سبعين ذراعا، وينور له فيه، فيقال له: نم نومة العروس لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك.

                                                              وإن كان منافقا قال: لا أدري، كنت أسمع الناس يقولون شيئا، فكنت أقوله، فيقولان له: إن كنا لنعلم أنك تقول ذلك، ثم يقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه حتى تختلف فيها أضلاعه، فلا يزال معذبا حتى يبعثه الله [ ص: 330 ] من مضجعه ذلك
                                                              .

                                                              وفي "صحيحه" أيضا، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم : فإن له معيشة ضنكا ، قال : "عذاب القبر" .

                                                              وفي "صحيحه" أيضا، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل الميت القبر مثلت له الشمس عند غروبها، فيقول: دعوني أصلي .

                                                              وفي "صحيحه" أيضا، عن أم مبشر قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 331 ] وأنا في حائط من حوائط بني النجار، فيه قبور منهم، وهو يقول: استعيذوا بالله من عذاب القبر، فقلت: يا رسول الله، وللقبر عذاب ؟ قال: وإنهم ليعذبون في قبورهم، تسمعه البهائم .

                                                              وفي "صحيحه" أيضا، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن المؤمن في قبره لفي روضة خضراء، ويرحب له في قبره سبعين ذراعا، وينور له كالقمر ليلة البدر، أتدرون فيما أنزلت هذه الآية : فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ؟ أتدرون ما المعيشة الضنك ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: عذاب الكافر في قبره، والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينا، أتدرون ما التنين ؟ سبعون حية، لكل حية تسع رءوس، يلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون .

                                                              فيه دراج أبو السمح، عن ابن [ ص: 332 ] حجيرة، عن أبي هريرة.

                                                              وذكر أبو حاتم أيضا، قصة التسعة والتسعين تنينا من حديث دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                              وفي "صحيحه" أيضا من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الميت إذا وضع في قبره، إنه يسمع خفق نعالهم، حين يولون عنه، فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام، عن يمينه، وكانت الزكاة، عن شماله، وكان فعل الخيرات من الصدقة، والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه، فيقول الصيام: ما قبلي [ ص: 333 ] مدخل، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قبلي مدخل.

                                                              فيقال له : اجلس، فيجلس قد مثلت له الشمس وقد أدنيت للغروب، فيقال له: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه ؟ وماذا تشهد به عليه ؟ فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولون: إنك ستفعل، أخبرنا عما نسألك عنه، أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه ؟ وماذا تشهد عليه ؟

                                                              قال: فيقول : محمد ؟ أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء بالحق من عند الله، فيقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك مت، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة، فيقال: هذا مقعدك منها، وما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطة وسرورا.

                                                              [ثم يفتح له باب من أبواب النار، فيقال له: هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها لو عصيته، فيزداد غبطة وسرورا]، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا، وينور له فيه، ويعاد الجسد لما بدئ منه، فيجعل نسمته في النسم الطيب، وهي طير تعلق في شجر الجنة.

                                                              قال: فذلك قوله : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .

                                                              [ ص: 334 ] قال: وإن الكافر إذا أتي من قبل رأسه لم يوجد شيء، ثم أتي، عن يمينه فلا يوجد شيء، ثم أتي، عن شماله فلا يوجد شيء، ثم أتي من قبل رجليه، فلا يوجد شيء، فيقال له: اجلس، فيجلس خائفا مرعوبا، فيقال له: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه ؟ وماذا تشهد به عليه ؟ فيقول: أي رجل ؟ فيقال: الذي كان فيكم، فلا يهتدي لاسمه، حتى يقال له: محمد، فيقول: ما أدري، سمعت الناس قالوا قولا، فقلت كما قال الناس، فيقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك مت، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله.

                                                              ثم يفتح له باب من أبواب النار، فيقال له: هذا مقعدك من النار، وما أعد الله لك فيها، فيزداد حسرة وثبورا، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة [ق260] ، فيقال له : ذلك مقعدك من الجنة، وما أعد الله لك فيها لو أطعته، فيزداد حسرة وثبورا، ثم يضيق عليه قبره، حتى تختلف فيه أضلاعه، وتلك المعيشة الضنك التي قال الله عز وجل : فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى
                                                              .




                                                              الخدمات العلمية