الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1657 (باب في الكانزين والتغليظ عليهم)

                                                                                                                              وأورده النووي في: (باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 79 ج7 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن الأحنف بن قيس قال: كنت في نفر من قريش، فمر أبو ذر وهو يقول: بشر الكانزين بكي في ظهورهم، يخرج من جنوبهم. وبكي من قبل أقفائهم، يخرج من جباههم.

                                                                                                                              قال: ثم تنحى فقعد. قال: قلت: من هذا؟ قالوا: هذا أبو ذر.

                                                                                                                              قال: فقمت إليه، فقلت: ما شيء سمعتك تقول قبيل؟ قال: ما قلت إلا شيئا، قد سمعته من نبيهم صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                              [ ص: 469 ] قال: قلت: ما تقول في هذا العطاء؟ قال: خذه، فإن فيه اليوم معونة. فإذا كان ثمنا لدينك فدعه.
                                                                                                                              ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن الأحنف بن قيس؛ قال: كنت في نفر من قريش، فمر أبو ذر)

                                                                                                                              رضي الله عنه (وهو يقول) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى: (قال: قدم المدينة، فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش، إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم، فقال:

                                                                                                                              بشر الكانزين بكي في ظهورهم يخرج من جنوبهم، وبكي من قبل أقفائهم، يخرج من جباههم) .

                                                                                                                              وفي الرواية الأخرى: (برضف يحمى عليه في نار جهنم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم، حتى يخرج من نغض كتفيه. ويوضع على غض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه، يتزلزل) .

                                                                                                                              قال النووي : ظاهر قوله: (بشر الكانزين) ، أنه أراد الاحتجاج لمذهبه، في أن الكنز: "كل ما فضل عن حاجة الإنسان".

                                                                                                                              هذا هو المعروف، من مذهب أبي ذر. وروي عنه غيره.

                                                                                                                              قال: والصحيح الذي عليه الجمهور؛ أن الكنز: هو المال الذي لم تؤد زكاته.

                                                                                                                              [ ص: 470 ] فأما إذا أديت زكاته فليس بكنز، سواء كثر أم قل.

                                                                                                                              وقال عياض : الصحيح أن إنكاره؛ إنما هو على السلاطين، الذين يأخذون لأنفسهم من بيت المال، ولا ينفقونه في وجوهه.

                                                                                                                              قال النووي : وهذا الذي قاله عياض باطل؛ لأن السلاطين في زمنه، لم تكن هذه صفتهم. ولم يخونوا في بيت المال.

                                                                                                                              إنما كان في زمنه: أبو بكر، وعمر، وعثمان. "رضي الله عنهم".

                                                                                                                              وتوفي في زمن عثمان: سنة ثنتين وثلاثين.

                                                                                                                              قلت: ومعنى (الرضف) : الحجارة المحماة.

                                                                                                                              (ويحمى) معناه: يوقد.

                                                                                                                              (ونغض) بضم النون وإسكان الغين. هو العظم الرقيق، الذي على طرف الكتف. وقيل: هو أعلى الكتف.

                                                                                                                              ويقال له أيضا: (الناغض) .

                                                                                                                              ومعنى (يتزلزل) :يتحرك. أي: أنه بسبب نضجه يتحرك، لكونه يهتري.

                                                                                                                              قال عياض : والصواب: أن الحركة والتزلزل، إنما هو للرضف.

                                                                                                                              (قال: ثم تنحى فقعد. قال: قلت: من هذا؟ قالوا: هذا أبو ذر.

                                                                                                                              قال: فقمت إليه فقلت: ما شيء سمعتك تقول قبيل؟ قال: ما قلت [ ص: 471 ] إلا شيئا، قد سمعته من نبيهم صلى الله عليه وسلم. قال: قلت: ما تقول في هذا العطاء ؟ قال: خذه. فإن فيه اليوم معونة. فإذا كان ثمنا لدينك فدعه) .

                                                                                                                              وفي الرواية الأخرى: (قال: وضع القوم رءوسهم. فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا. قال: فأدبر واتبعته حتى جلس إلى سارية. فقلت: ما رأيت هؤلاء، إلا كرهوا ما قلت لهم. قال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئا. إن خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، دعاني فأجبته. فقال: "أترى أحدا؟" فنظرت ما علي من الشمس، وأنا أظن أنه يبعثني في حاجة له. قلت: أراه. فقال: "ما يسرني أن لي مثله ذهبا، أنفقه كله. إلا ثلاثة دنانير". ثم هؤلاء يجمعون الدنيا، لا يعقلون شيئا.

                                                                                                                              قال: قلت: ما لك ولإخوتك من قريش: لا تعتريهم وتصيب منهم؟ قال: لا وربك! لا أسألهم عن دنيا، ولا أستفتيهم عن دين، حتى ألحق بالله ورسوله)
                                                                                                                              .

                                                                                                                              [ ص: 472 ] وفي هذا الحديث: فوائد كثيرة، تظهر بالتأمل في مبانيه ومعانيه، على من يعرف هذا الشأن.

                                                                                                                              وبالله التوفيق، وهو المستعان.




                                                                                                                              الخدمات العلمية