الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 181 ] حكاية المناظرة في الواسطية [ ص: 182 ] [حكاية المناظرة في الواسطية]

الحمد لله رب العالمين . لما كان يوم الاثنين ثامن رجب طلبني نائب السلطان -أيده الله وسدده- بمحضر من القضاة والمفتين والمشايخ ، وسألني عن اعتقادي ، فقلت له : الاعتقاد لا يؤخذ عني ولا عمن هو أكبر مني ، ولكن عن كتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة . فقال : أمل علينا اعتقادك . فأمللت جوامع من الاعتقاد ، ثم قلت : إن بعض الناس قد بلغني أنه يكذب في هذا الباب علي ويقول : إنه يكتم بعض الأمر ، فنحن نطلب العقيدة التي كتبتها من نحو سبع سنين قبل مجيء التتر ، كتبتها لقاض قدم علينا من واسط ، وكان قد ألح علي في ذلك ، فأحلته على ما كتبه الأئمة من العقائد . فقال : أحب أن تكتب أنت ، فكتبت له هذه في قعدة بعد العصر .

وأرسلت من أحضرها ، وقرئت من أولها إلى آخرها ، قرأها غيري كلمة كلمة ، ووقع البحث والسؤال في مواضع منها .

وسألني نائب السلطان هل كتبت إلى مصر أو غيرها بعقيدة ؟ فقلت له : لم أكتب قط إلى أحد بعقيدة ، ولم أكاتب أحدا بها ، إلا أن ثم مسائل أسأل عنها فأجيب ، والنسخ منها موجودة في دمشق ومصر وغيرها ، لئلا [ ص: 184 ] يستطيع أحد أن يغير بعض النسخ .

وكان مما وقع سؤال بعض الجماعة عنه أني لما قلت في أولها : «إن أهل السنة يؤمنون بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل » . قال بعضهم : ما التحريف ؟ فقلت : تحريف الكلم عن مواضعه ، كما فعل بعض الجهمية في قوله : وكلم الله موسى تكليما [النساء :164] ، قال : أي جرحه تجريحا بينابيع الحكمة ، ونحو ذلك من تحريفات القرامطة والباطنية وغيرهم من أهل الأهواء .

ولما جاء الحديث الذي في الصحيحين عن أبي سعيد : «أن الله يقول يوم القيامة : يا آدم! فيقول : لبيك وسعديك ، فينادي بصوت » ، جرى كلام في مسألة الحرف والصوت . فقلت : هذا الذي يحكيه بعض الناس عن أصحاب الإمام أحمد من أنهم يقولون : إن القرآن هو الحرف والصوت ، وهو أصوات التالين ومداد الصحف ، وهو القديم هذا باطل ، لم يقله أحمد ولا أحد من علماء أصحابه ، ولا يقوله عاقل . وأحضرت كلام الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة أنهم ينكرون على من يقول : إن لفظي بالقرآن غير مخلوق ، كما ينكرون على من يقول : اللفظ بالقرآن مخلوق . فكيف بمن يقول : إن لفظه بالقرآن قديم ، أو يقول : صوته بالقرآن قديم ، أو المداد قديم ؟ وفساد هذا معلوم بالحس . [ ص: 185 ]

وأنكرت على من ينقل هذا عن العلماء المشهورين في القرآن .

وقرئ ما ذكر في العقيدة في مسألة القرآن من «أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود » ، كما اتفق عليه السلف ، وذكرت لفظا أن الجمع في قولهم : القرآن هو الحرف والصوت أو ليس بحرف ولا صوت كلاهما بدعة حدثت بعد المئة الثالثة ، لم يتكلم الإمام أحمد ولا غيره من الأئمة بهذا التركيب نفيا ولا إثباتا . وذكرت أن لي جوابا من سنين عن هذه المسألة . . . . . . . وأحضرته في المجلس الثاني : أن الله تكلم بالقرآن حقيقة ، وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين ، وأن هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون هو كلام الله حقيقة ؛ لأن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئا لا إلى من قاله مبلغا مؤديا . وذكر بعض الحاضرين أن هذا أول شبهة كانت عندهم ، وأن هذا تخليص لهذا الموضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية