الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ( إذ نادى ربه نداء خفيا ( 3 ) قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا ( 4 ) وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا ( 5 ) يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا ( 6 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      ( إذ نادى ) دعا ( ربه ) في محرابه ( نداء خفيا ) دعا سرا من قومه في جوف الليل . ( قال رب إني وهن ) ضعف ورق ( العظم مني ) من الكبر . قال قتادة : اشتكى سقوط الأضراس ( واشتعل الرأس ) أي : ابيض شعر الرأس ( شيبا ) شمطا ( ولم أكن بدعائك رب شقيا ) يقول : عودتني الإجابة فيما مضى ولم تخيبني .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معناه لما دعوتني إلى الإيمان آمنت ولم أشق بترك الإيمان . ( وإني خفت الموالي ) و " الموالي " : بنو العم . قال مجاهد : العصبة . وقال أبو صالح : الكلالة . وقال الكلبي : الورثة ( من ورائي ) أي : من بعد موتي .

                                                                                                                                                                                                                                      قرأ ابن كثير : " من ورائي " بفتح الياء ، والآخرون بإسكانها .

                                                                                                                                                                                                                                      ( وكانت امرأتي عاقرا ) لا تلد ( فهب لي من لدنك ) أعطني من عندك ( وليا ) ابنا . ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قرأ أبو عمرو والكسائي : بجزم الثاء فيهما ، على جواب الدعاء ، وقرأ الآخرون بالرفع على الحال والصفة ، أي : وليا وارثا .

                                                                                                                                                                                                                                      واختلفوا في هذا الإرث; قال الحسن : معناه يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة والحبورة . [ ص: 219 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : أراد ميراث النبوة والعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : أراد إرث الحبورة ، لأن زكريا كان رأس الأحبار .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : والأولى أن يحمل على ميراث غير المال؛ لأنه يبعد أن يشفق زكريا وهو نبي من الأنبياء أن يرثه بنو عمه ماله .

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى : أنه خاف تضييع بني عمه دين الله وتغيير أحكامه على ما كان شاهده من بني إسرائيل ، من تبديل الدين وقتل الأنبياء ، فسأل ربه وليا صالحا يأمنه على أمته ويرث نبوته وعلمه لئلا يضيع الدين . وهذا معنى قول عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما .

                                                                                                                                                                                                                                      ( واجعله رب رضيا ) أي برا تقيا مرضيا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية