الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1015 مسألة : وكل حيوان ذكي فوجد في بطنه جنين ميت ، وقد كان نفخ فيه الروح بعد فهو ميتة لا يحل أكله ، فلو أدرك حيا فذكي حل أكله ، فلو كان لم ينفخ فيه الروح بعد فهو حلال إلا إن كان بعد دما لا لحم فيه ، ولا معنى لإشعاره ولا لعدم إشعاره - وهو قول أبي حنيفة . برهان ذلك - : قول الله تعالى : { حرمت عليكم الميتة والدم } . وقال تعالى : { إلا ما ذكيتم } . وبالعيان ندري أن ذكاة الأم ليست ذكاة للجنين الحي ، لأنه غيرها وقد يكون ذكرا وهي أنثى ، فأما إذا كان لحما لم ينفخ فيه الروح بعد فهو بعضها ولم يكن قط حيا فيحتاج إلى ذكاة .

                                                                                                                                                                                          وقد احتج المخالفون بأخبار واهية - : منها : من طريق وكيع عن ابن أبي ليلى عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : { ذكاة الجنين ذكاة أمه } وابن أبي ليلى سيئ الحفظ وعطية هالك . [ ص: 97 ] ومن طريق إسماعيل بن مسلم المكي عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله - إسماعيل بن مسلم ضعيف . ومن طريق ابن المبارك عن مجالد بن سعيد عن أبي الوداك عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين { كلوه إن شئتم } ، مجالد ضعيف ، وأبو الوداك ضعيف . ومن طريق أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : { ذكاة الجنين ذكاة أمه } [ حديث أبي الزبير ] ما لم يكن عند الليث عنه ، أو لم يقل فيه أبو الزبير : أنه سمعه من جابر ; فلم يسمعه من جابر - وهذا من هذا النمط لا يدرى ممن أخذه عن جابر فهو عن مجهول على ما أوردنا قبل . ثم لم يأت عن أبي الزبير إلا من طريق حماد بن شعيب ، والحسن بن بشر ، وعتاب بن بشير عن عبيد الله بن زياد القداح - وكلهم ضعفاء . ومن طريق أبي حذيفة نا محمد بن مسلم الطائفي عن أيوب بن موسى قال : ذكر لي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في { الجنين إذا أشعر فذكاته ذكاة أمه } أبو حذيفة ضعيف ، ومحمد بن مسلم أسقط منه - ثم هو منقطع . ومن طريق ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم : { ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا أشعر } ابن أبي ليلى سيئ الحفظ ، ثم هو منقطع . وقالوا : هو قول جمهور العلماء - : كما روينا من طريق سفيان عن الزهري عن ابن كعب بن مالك قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون { ذكاة الجنين ذكاة أمه } . ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن أيوب السختياني عن ابن عمر قال في جنين الناقة إذا تم وأشعر : فذكاته ذكاة أمه وينحر . ومن طريق الحارث عن علي إذا أشعر جنين الناقة فكله ، فإن ذكاته ذكاة أمه -

                                                                                                                                                                                          وعن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس أنه أشار إلى جنين ناقة وأخذ بذنبه وقال : هذا من بهيمة الأنعام وعن أبي الزبير عن جابر نحر جنين الناقة نحر أمه . وعن إبراهيم عن ابن مسعود ذكاة الجنين ذكاة أمه - وهو قول إبراهيم ، والشعبي ، والقاسم بن محمد ، وطاوس ، وأبي ظبيان ، وأبي إسحاق السبيعي ، والحسن ، وسعيد بن المسيب [ ص: 98 ] ونافع ، وعكرمة ، ومجاهد ، وعطاء ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، والزهري ، ومالك ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وسفيان الثوري ، والحسن بن حي ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، والشافعي .

                                                                                                                                                                                          روينا من طريق ابن أبي شيبة نا أبو معاوية عن مسعر بن كدام عن حماد بن أبي سليمان في جنين المذبوحة ؟ قال : لا تكون ذكاة نفس عن نفسين - وهو قول أبي حنيفة ، وزفر - : نا أحمد بن عمر بن أنس نا محمد بن عيسى غندر نا خلف بن القاسم نا أبو الميمون نا عبد الرحمن بن عبيد الله بن عمر بن راشد البجلي نا أبو زرعة - هو عبد الرحمن بن عمر النصري - نا عبد الله بن حيان قلت لمالك بن أنس : يا أبا عبد الله الناقة تذبح وفي بطنها جنين يرتكض فيشق بطنها فيخرج جنينها أيؤكل ؟ قال : نعم ، قلت : إن الأوزاعي قال : لا يؤكل ، قال : أصاب الأوزاعي - فهذا قول لمالك أيضا . واختلف القائلون في إباحة أكله - : فروينا عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق . قال : إذا علم أن موت الجنين قبل موت أمه أكل وإلا لم يؤكل ، قيل له : من أين يعلم ذلك ؟ قال : إذا خرج لم ينتفخ ولم يتغير فهو موتها . وقال بعضهم : لا يؤكل إلا أن يكون قد أشعر وتم - وهو قول ابن عمر ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، والزهري ، والشعبي ، ونافع ، وعكرمة ، ومجاهد ، وعطاء ، ويحيى بن سعيد ، قال يحيى : فإن خرج حيا لم يحل أكله إلا أن يذكى - وبه قال مالك ، إلا أنه قال : إن خرج حيا كره أكله ، وليس حراما .

                                                                                                                                                                                          وقال آخرون : أشعر أو لم يشعر هو حلال - وهو قول ابن عباس ، وإبراهيم ، وسعيد بن المسيب ، والأوزاعي ، والليث ، وسفيان ، والحسن بن حي ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، والشافعي . قال أبو محمد : لو صح عن النبي صلى الله عليه وسلم لقلنا به مسارعين وإذا لم يصح عنه فلا يحل ترك القرآن لقول قائل أو قائلين - : فأما أبو حنيفة ، فإنه يشنع ، بخلاف الصاحب لا يعرف له مخالف ، وخلاف جمهور [ ص: 99 ] العلماء ، ويرى ذلك خلافا للإجماع ، هذا مكان خالف فيه الصحابة وجمهور العلماء من التابعين والآثار التي يحتج هو بأسقط منها - وهذا تناقض فاحش . وأما مالك ، فإنه لم يحرم الجنين إذا خرج بعد ذبح أمه حيا ، وما نعلم هذا عن أحد من خلق الله تعالى قبله .

                                                                                                                                                                                          ويلزم على هذا أنه إن كان عنده ذكيا بذكاة أمه أنه إن عاش وكبر وألقح ونتج أنه حلال أكله متى مات ، لأنه ذكي بعد بذكاة أمه - وحاشا لله من هذا ، فكلاهما خالف الإجماع ، أو ما يراه إجماعا في هذه المسألة [ وبالله تعالى التوفيق ] .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية