الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 60 ] قوله عز وجل : بل قلوبهم في غمرة من هذا فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : في غطاء ، قاله ابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                        والثاني : في غفلة قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        من هذا فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : من هذا القرآن ، وهو قول مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : من هذا الحق ، وهو قول قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : خطايا [يعملونها] من دون الحق ، وهو قول قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أعمال [رديئة] لم يعملوها وسيعملونها ، حكاه يحيى بن سلام . ويحتمل وجها ثالثا : أنه ظلم المخلوقين مع الكفر بالخالق .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل : حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب فيهم وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنهم الموسع عليهم بالخصب ، قاله ابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                        والثاني : بالمال والولد ، قاله الكلبي ، فعلى الأول يكون عاما وعلى الثاني يكون خاصا .

                                                                                                                                                                                                                                        إذا هم يجأرون فيه أربعة تأويلات :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : يجزعون ، وهو قول قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : يستغيثون ، وهو قول ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        والثالث : يصيحون ، وهو قول علي بن عيسى .

                                                                                                                                                                                                                                        والرابع : يصرخون إلى الله تعالى بالتوبة ، فلا تقبل منهم ، وهو قول الحسن . قال قتادة : نزلت هذه الآية في قتلى بدر ، وقال ابن جريج حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب هم الذين قتلوا ببدر .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل : أعقابكم فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : تستأخرون ، وهو قول مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        والثاني : تكذبون .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 61 ] والثالث : رجوع القهقرى . ومنه قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                        زعموا أنهم على سبل الحق وأنا نكص على الأعقاب

                                                                                                                                                                                                                                        وهو أي النكوص ، موسع هنا ومعناه ترك القبول .

                                                                                                                                                                                                                                        مستكبرين به أي بحرمة الله ، ألا يظهر عليهم فيه أحد ، وهو قول ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة . ويحتمل وجها آخر : مستكبرين بمحمد أن يطيعوه ، وبالقرآن أن يقبلوه .

                                                                                                                                                                                                                                        سامرا تهجرون سامر فاعل من السمر . وفي السمر قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه الحديث ليلا ، قاله الكلبي ، وقيل به : سمرا تهجرون .

                                                                                                                                                                                                                                        والثاني : أنه ظل القمر ، حكاه ابن عيسى ، والعرب تقول حلف بالسمر والقمر أي بالظلمة والضياء ، لأنهم يسمرون في ظلمة الليل وضوء القمر ، والعرب تقول أيضا : لا أكلمه السمر والقمر ، أي الليل والنهار ، وقال الزجاج ومن السمر أخذت سمرة اللون . وفي تهجرون وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : تهجرون الحق بالإعراض عنه ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        والثاني : تهجرون في القول بالقبيح من الكلام ، قاله ابن جبير ، ومجاهد . وقرأ نافع تهجرون بضم التاء وكسر الجيم وهو من هجر القول . وفي مخرج هذا الكلام قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : إنكار تسامرهم بالإزراء على الحق مع ظهوره لهم .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : إنكارا منهم حتى تسامروا في ليلهم والخوف أحق بهم .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 62 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية