الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1021 - مسألة : ولا يحل الأكل من وسط الطعام ولا أن تأكل مما لا يليك سواء كان صنفا واحدا أو أصنافا شتى ، فلو أن المرء أخذ شيئا مما يلي غيره ثم جعله أمام نفسه وتركه ثم أخذه فأكله فلا حرج عليه في ذلك . روينا من طريق سفيان بن عيينة قال : نا عطاء بن السائب قال : قال لنا سعيد بن جبير : سمعت ابن عباس يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من نواحيه ولا تأكلوا من وسطه } سماع سفيان ، وشعبة ، وحماد بن زيد من عطاء بن السائب كان قبل اختلاطه . ومن طريق البخاري نا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي نا محمد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي عن وهب بن كيسان أبي نعيم عن عمر بن أبي سلمة المخزومي : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : { كل مما يليك } .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 102 ] ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عبد الله بن الصباح العطار نا عبد الأعلى نا معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن { عمر بن أبي سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ادنه يا بني فسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك } فلم يخص عليه السلام صنفا من أصناف . وذكر المفرقون بين ذلك خبرا رويناه من طريق محمد بن جرير الطبري نا محمد بن المثنى نا العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سوية المنقري نا أبو الهذيل حدثني { عبيد الله بن عكراش بن ذؤيب عن أبيه : أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا بحفنة من ثريد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عكراش كل من موضع واحد فإنه طعام واحد ثم أتينا بطبق فيه ألوان من رطب أو تمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عكراش كل من حيث شئت فإنه غير طعام واحد ، قال : وجالت يد النبي صلى الله عليه وسلم في الطبق } فعبيد الله بن العكراش بن ذؤيب ضعيف جدا لا يحتج به ، ومثل هذا لا يجوز أن يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يكاد يوجد طعام لا يكون أصنافا إلا في الندرة ; فالثريد فيه لحم وخبز ، وربما بصل وحمص والمرق كذلك ، ويكون في اللحم كبد وشحم ولحم وصدرة وظهر ، وهكذا في أكثر الأشياء . فإن ذكروا حديث أنس : { دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فانطلقت معه فجيء بمرقة فيها دباء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل من ذلك الدباء وتعجبه ، قال أنس : فجعلت ألقيه إليه ولا أطعمه } . وفيه أيضا في رواية بعض الثقات : { فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حول الصحفة } فإن هذا خبر صحيح .

                                                                                                                                                                                          وقد قال بعض أهل الظاهر إنما هذا في الدباء خاصة . قال أبو محمد : وليس هذا عندنا كذلك لأنه فعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل : إنه خاص بالدباء ، فلا ينبغي لنا أن نقوله ، لكن نقول : إن هذا الخبر موافق لمعهود الأصل ، وقد كان ذلك بلا شك مباحا قبل أن يقول عليه السلام : { كل مما يليك } فهو منسوخ بيقين بأمره عليه السلام بالأكل مما يلي الآكل ، ومن ادعى أن المنسوخ عاد مباحا لم يصدق إلا ببرهان لأنه دعوى بلا دليل . وأيضا فإن هذا الخبر لما تدبرناه وجدناه ليس فيه ألبتة لا نص ولا دليل على أنه [ ص: 103 ] عليه السلام أخذ الدباء مما لا يليه ومن ادعى هذا فقد ادعى الباطل وقال ما ليس في الحديث . وقد يكون الدباء في نواحي الصحفة مما يلي النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه ويساره فيتتبعه مما يليه في كل ذلك ، وهذا الذي لا يجوز أن يحمل الخبر على ما سواه .

                                                                                                                                                                                          إذ ليس فيه ما يظن المخالف أصلا - : فبطل تعلقهم به ولله الحمد . فإذا أخذ المرء الشيء مما لا يليه ثم جعله أمامه فإنما نهى عن أن يأكل مما لا يليه ، وهذا لم يأكل مما لا يليه فإذا صار أمامه فله أكله حينئذ ، لأنه مما يليه - وقد اجتر خالد بن الوليد الضب من يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكله ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك - وسنذكره إن شاء الله تعالى في باب الضب وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية