الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ثفا ]

                                                          ثفا : ثفوته : كنت معه على إثره . وثفاه يثفيه : تبعه . وجاء يثفوه أي : يتبعه . قال أبو زيد : تأثفك الأعداء أي : اتبعوك وألحوا عليك ، ولم يزالوا بك يغرونك بي . أبو زيد : خامر الرجل المكان إذا لم يبرحه ، وكذلك تأثفه . ابن بري : يقال ثفاه يثفوه إذا جاء في إثره ; قال الراجز :


                                                          يبادر الآثار أن يئوبا [ ص: 27 ] وحاجب الجونة أن يغيبا     بمكربات قعبت تقعيبا
                                                          كالذئب يثفو طمعا قريبا

                                                          والأثفية : ما يوضع عليه القدر ، تقديره أفعولة ، والجمع أثافي وأثاثي ، الأخيرة عن يعقوب ، قال : والثاء بدل من الفاء ، وقال في جمع الأثافي : إن شئت خففت ; وشاهد التخفيف قول الراجز :


                                                          يا دار هند عفت إلا أثافيها     بين الطوي فصارات فواديها

                                                          وقال آخر :


                                                          كأن وقد أتى حول جديد     أثافيها حمامات مثول

                                                          وفي حديث جابر : والبرمة بين الأثافي ، وقد تخفف الياء في الجمع ، وهي الحجارة التي تنصب وتجعل القدر عليها ، والهمزة فيها زائدة . وثفى القدر وأثفاها : جعلها على الأثافي . وثفيتها : وضعتها على الأثافي . وأثفت القدر أي : جعلت لها أثافي ; ومنه قول الكميت :


                                                          وما استنزلت في غيرنا قدر جارنا     ولا ثفيت إلا بنا حين تنصب

                                                          وقال آخر :


                                                          وذاك صنيع لم تثف له قدري

                                                          وقول حطام المجاشعي :


                                                          لم يبق من آي بها يحلين     غير خطام ورماد كنفين
                                                          وصاليات ككما يؤثفين

                                                          جاء به على الأصل ضرورة ، ولولا ذلك لقال يثفين ; قال الأزهري : أراد يثفين من أثفى يثفي ، فلما اضطره بناء الشعر رده إلى الأصل ، فقال يؤثفين ; لأنك إذا قلت أفعل يفعل علمت أنه كان في الأصل يؤفعل ; فحذفت الهمزة لثقلها كما حذفوا ألف رأيت من أرى ، وكان في الأصل أرأى ، فكذلك من يرى وترى ونرى ، الأصل فيها يرأى وترأى ونرأى ، فإذا جاز طرح همزتها - وهي أصلية - كانت همزة يؤفعل أولى بجواز الطرح ; لأنها ليست من بناء الكلمة في الأصل ; ومثله قوله :


                                                          كرات غلام من كساء مؤرنب

                                                          ووجه الكلام : مرنب ، فرده إلى الأصل . ويقال : رجل مؤنمل إذا كان غليظ الأنامل ، وإنما أجمعوا على حذف همزة يؤفعل استثقالا للهمزة ; لأنها كالتقيؤ ; ولأن في ضمة الياء بيانا وفصلا بين غابر فعل فعل وأفعل ، فالياء من غابر فعل مفتوحة ، وهي من غابر أفعل مضمومة ، فأمنوا اللبس ، واستحسنوا ترك الهمزة إلا في ضرورة شعر أو كلام نادر . ورماه الله بثالثة الأثافي : يعني الجبل ; لأنه يجعل صخرتان إلى جانبه ، وينصب عليه وعليهما القدر ، فمعناه رماه الله بما لا يقوم له . الأصمعي : من أمثالهم في رمي الرجل صاحبه بالمعضلات : رماه الله بثالثة الأثافي ; قال أبو عبيدة : ثالثة الأثافي القطعة من الجبل ، يجعل إلى جانبها اثنتان ; فتكون القطعة متصلة بالجبل ; قال خفاف بن ندبة :


                                                          وإن قصيدة شنعاء مني     إذا حضرت كثالثة الأثافي

                                                          وقال أبو سعيد : معنى قولهم : رماه الله بثالثة الأثافي . أي : رماه بالشر كله ، فجعله أثفية بعد أثفية حتى إذا رمي بالثالثة لم يترك منها غاية ; والدليل على ذلك قول علقمة :


                                                          بل كل قوم وإن عزوا وإن كرموا     عريفهم بأثافي الشر مرجوم

                                                          ألا تراه قد جمعها له ؟ قال أبو منصور : والأثفية حجر مثل رأس الإنسان ، وجمعها أثافي - بالتشديد - قال : ويجوز التخفيف ، وتنصب القدور عليها ، وما كان من حديد ذي ثلاث قوائم فإنه يسمى المنصب ، ولا يسمى أثفية . ويقال : أثفيت القدر وثفيتها إذا وضعتها على الأثافي ، والأثفية : أفعولة من ثفيت ، كما يقال : أدحية لمبيض النعام من دحيت . وقال الليث : الأثفية فعلوية من أثفت ، قال : ومن جعلها كذلك قال : أثفت القدر ، فهي مؤثفة ، وقال : آثفت القدر فهي مؤثفة ; قال النابغة :


                                                          لا تقذفني بركن لا كفاء له     ولو تأثفك الأعداء بالرفد

                                                          وقوله : ولو تأثفك الأعداء أي : ترافدوا حولك متضافرين علي وأنت النار بينهم ; قال أبو منصور : وقول النابغة :


                                                          ولو تأثفك الأعداء بالرفد

                                                          قال : ليس عندي من الأثفية في شيء ، وإنما هو من قولك : أثفت الرجل آثفه إذا تبعته ، والآثف التابع . وقال النحويون : قدر مثفاة من أثفيت . والمثفاة : المرأة التي لزوجها امرأتان سواها ، شبهت بأثافي القدر . وثفيت المرأة إذا كان لزوجها امرأتان سواها وهي ثالثهما ، شبهن بأثافي القدر ; وقيل : المثفاة المرأة التي يموت لها الأزواج كثيرا ، وكذلك الرجل المثفى ; وقيل : المثفاة التي مات لها ثلاثة أزواج . والمثفى : الذي مات له ثلاث نسوة . الجوهري : والمثفية التي مات لها ثلاثة أزواج ، والرجل مثف . والمثفاة : سمة كالأثافي . وأثيفيات : موضع ، وقيل أثيفيات : أجبل صغار شبهت بأثافي القدر ; قال الراعي :


                                                          دعون قلوبنا بأثيفيات     فألحقنا قلائص يعتلينا

                                                          وقولهم : بقيت من فلان أثفية خشناء أي : بقي منهم عدد كثير .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية