الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل الثالث : في المواطن التي يستحب فيها الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -

          ويرغب من ذلك في تشهد الصلاة كما قدمناه ، وذلك بعد التشهد ، وقبل الدعاء :

          [ حدثنا القاضي أبو علي رحمه الله بقراءتي عليه : حدثنا الإمام أبو القاسم البلخي ، قال : حدثنا الفارسي ، عن أبي القاسم الخزاعي ، عن أبي الهيثم بن كليب ، عن أبي عيسى الحافظ ، قال : حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا حيوة بن شريح ، حدثني أبو هانئ الخولاني أن عمرو بن مالك الجنبي ، أخبره أنه سمع فضالة بن عبيد يقول : سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يدعو في صلاته ، فلم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : عجل هذا . ثم دعاه ، فقال له ، ولغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله ، والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم ليدع بعد بما شاء .

          ويروى من غير هذا السند بتمجيد الله ، وهو أصح .

          وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، قال : الدعاء ، والصلاة معلق بين السماء ، والأرض ، فلا يصعد إلى الله منه شيء حتى يصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - .

          وعن علي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه ، وعن علي : وعلى آل محمد .

          وروي أن الدعاء محجوب حتى يصلي الداعي على النبي - صلى الله عليه وسلم - .

          [ ص: 426 ] وعن ابن مسعود : إذا أراد أحدكم أن يسأل الله شيئا فليبدأ بمدحه ، والثناء عليه بما هو أهله ، ثم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم ليسأل ، فإنه أجدر أن ينجح .

          وعن جابر - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تجعلوني كقدح الراكب ، فإن الراكب يملأ قدحه ثم يضعه ، ويرفع متاعه ، فإن احتاج إلى شراب شربه ، أو الوضوء توضأ ، وإلا هراقه ، ولكن اجعلوني في أول الدعاء ، وأوسطه ، وآخره .

          وقال ابن عطاء : للدعاء أركان وأجنحة ، وأسباب ، وأوقات ، فإن وافق أركانه قوي ، وإن وافق أجنحته طار في السماء ، وإن وافق مواقيته فاز ، وإن وافق أسبابه أنجح ، فأركانه حضور القلب ، والرقة ، والاستكانة ، والخشوع ، وتعلق القلب بالله ، وقطعه من الأسباب ، وأجنحته الصدق ، ومواقيته الأسحار ، وأسبابه الصلاة على محمد - صلى الله عليه وسلم - .

          وفي الحديث : الدعاء بين الصلاتين لا يرد .

          وفي حديث آخر : كل دعاء محجوب دون السماء ، فإذا جاءت الصلاة علي صعد الدعاء .

          وفي دعاء ابن عباس الذي رواه عنه حنش ، فقال في آخره : واستجب دعائي ، ثم تبدأ بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فتقول : اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد عبدك ، ونبيك ، ورسولك أفضل ما صليت على أحد من خلقك أجمعين آمين .

          ومن مواطن الصلاة عليه عند ذكره ، وسماع اسمه ، أو كتابته ، أو عند الأذان .

          وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي .

          [ ص: 427 ] وكره ابن حبيب ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الذبح .

          وكره سحنون الصلاة عليه عند التعجب ، وقال : لا يصلى عليه إلا على طريق الاحتساب ، وطلب الثواب .

          قال أصبغ ، عن ابن القاسم : موطنان لا يذكر فيهما إلا الله : الذبيحة ، والعطاس ، فلا تقل فيهما بعد ذكر الله : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولو قال بعد ذكر الله : صلى الله على محمد لم يكن تسمية له مع الله .

          وقاله أشهب ، قال : ولا ينبغي أن تجعل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه استنانا .

          وروى النسائي ، عن أوس بن أوس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : الأمر بالإكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة .

          ومن مواطن الصلاة ، والسلام دخول المسجد .

          قال أبو إسحاق بن شعبان : وينبغي لمن دخل المسجد أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى آله ، ويترحم عليه ، وعلى آله ، ويبارك عليه ، وعلى آله ، ويسلم تسليما ، ويقول : اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك .

          وإذا خرج فعل مثل ذلك ، وجعل موضع رحمتك " فضلك " .

          وقال عمرو بن دينار في قوله - تعالى - : فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم [ النور : 61 ] [ ص: 428 ] قال : إن لم يكن في البيت أحد فقل : السلام على النبي ، ورحمة الله ، وبركاته ، السلام علينا ، وعلى عباد الله الصالحين . السلام على أهل البيت ، ورحمة الله ، وبركاته .

          قال : قال ابن عباس : المراد بالبيوت هنا المساجد .

          وقال النخعي : إذا لم يكن في المسجد أحد فقل : السلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإذا لم يكن في البيت أحد فقل : السلام علينا ، وعلى عباد الله الصالحين .

          وعن علقمة : إذا دخلت المسجد أقول : السلام عليك أيها النبي ، ورحمة الله ، وبركاته ، صلى الله ، وملائكته على محمد . ونحوه عن كعب : إذا دخل ، وإذا خرج ، ولم يذكر الصلاة .

          واحتج ابن شعبان لما ذكره بحديث فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله إذا دخل المسجد .

          ومثله عن أبي بكر بن عمرو بن حزم . وذكر السلام ، والرحمة .

          وقد ذكرنا هذا الحديث آخر القسم ، والاختلاف في ألفاظه .

          ومن مواطن الصلاة عليه أيضا الصلاة على الجنائز .

          وذكر عن أبي أمامة أنها من السنة .

          ومن مواطن الصلاة التي مضى عليها عمل الأمة ، ولم تنكرها : الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وآله في الرسائل ، وما يكتب بعد البسملة ، ولم يكن هذا في الصدر الأول ، وأحدث عند ولاية بني هاشم ، فمضى به عمل الناس في أقطار الأرض .

          ومنهم من يختم به أيضا الكتب .

          وقال - صلى الله عليه وسلم - : من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب .

          ومن مواطن السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - تشهد الصلاة .

          حدثنا أبو القاسم خلف بن إبراهيم المقرئ الخطيب - رحمه الله - ، وغيره قال : حدثتني كريمة [ ص: 429 ] بنت محمد ، قالت : حدثنا أبو الهيثم ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : إذا صلى أحدكم فليقل : التحيات لله ، والصلوات ، والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ، ورحمة الله ، وبركاته . السلام علينا ، وعلى عباد الله الصالحين ، فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض .

          هذا أحد مواطن التسليم عليه ، وسنته أول التشهد .

          وقد روى مالك عن ابن عمر أنه كان يقول ذلك إذا فرغ من تشهده ، وأراد أن يسلم .

          واستحب مالك في المبسوط أن يسلم بمثل ذلك قبل السلام .

          قال محمد بن مسلمة : أراد ما جاء عن عائشة ، وابن عمر أنهما كانا يقولان عند سلامهما : السلام عليك أيها النبي ، ورحمة الله ، وبركاته . السلام علينا ، وعلى عباد الله الصالحين . السلام عليكم .

          واستحب أهل العلم أن ينوي الإنسان حين سلامه كل عبد صالح في السماء والأرض من الملائكة وبني آدم والجن .

          قال مالك في المجموعة : وأحب للمأموم إذا سلم إمامه أن يقول : السلام على النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . السلام عليكم .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية