الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                      قل من كان عدوا لجبريل : نزل في عبد الله بن صوريا؛ من أحبار فدك؛ حاج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وسأله عمن نزل عليه بالوحي؛ فقال - عليه الصلاة والسلام -: "جبريل - عليه السلام"؛ فقال: هو عدونا؛ لو كان غيره لآمنا بك؛ وفي بعض الروايات: ورسولنا ميكائيل؛ فلو كان هو الذي يأتيك لآمنا بك؛ وقد عادانا مرارا؛ وأشدها أنه أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخربه بخت نصر؛ فبعثنا من يقتله؛ فلقيه ببابل غلاما مسكينا؛ فدفع عنه جبريل - عليه السلام -؛ وقال: إن كان ربكم آمره بهلاككم فإنه لا يسلطكم عليه؛ وإلا فبأي حق تقتلونه؟ وقيل: أمره الله (تعالى) أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا؛ وروي أنه كان لعمر - رضي الله عنه - أرض بأعلى المدينة؛ وكان ممره على مدارس اليهود؛ فكان يجلس إليهم؛ ويسمع كلامهم؛ فقالوا: يا عمر؛ قد أحببناك؛ وإنا لنطمع فيك؛ فقال: والله ما أجيئكم لحبكم؛ ولا أسألكم لشك في ديني؛ وإنما أدخل عليكم لأزداد بصيرة في أمر محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ وأرى آثاره في كتابكم؛ ثم سألهم عن جبريل - عليه السلام -؛ فقالوا: ذاك هو عدونا؛ يطلع محمدا على أسرارنا؛ وهو صاحب كل خسف؛ وعذاب؛ وميكائيل يجيء بالخصب؛ والسلام ؛ فقال لهم: وما منزلتهما عند الله (تعالى)؟ قالوا: جبريل أقرب منزلة؛ هو عن يمينه؛ وميكائيل عن يساره؛ وهما متعاديان؛ فقال عمر - رضي الله عنه -: إن كانا كما تقولون فما هما بعدوين؛ ولأنتم أكفر من الحمير؛ ومن كان عدوا لأحدهما فهو عدو للآخر؛ ومن كان عدوا لهما كان عدوا لله - سبحانه -؛ ثم رجع عمر فوجد جبريل - عليه السلام - قد سبقه بالوحي؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد وافقك ربك يا عمر"؛ فقال عمر - رضي الله عنه -: لقد رأيتني في ديني بعد ذلك أصلب من الحجر. وقرئ: "جبرئيل"؛ كـ "سلسبيل"؛ و"جبرئل"؛ كـ "جحمرش"؛ و"جبريل"؛ و"جبرئل"؛ و"جبرائيل"؛ كـ "جبراعيل"؛ و"جبرائل"؛ كـ "جبراعل"؛ [ ص: 134 ] ومنع الصرف فيه للتعريف والعجمة؛ وقيل: معناه: "عبد الله"؛ فإنه نزله : تعليل لجواب الشرط؛ قائم مقامه؛ والبارز الأول لـ "جبريل" - عليه السلام -؛ والثاني للقرآن؛ أضمر من غير ذكر إيذانا بفخامة شأنه؛ واستغنائه عن الذكر؛ لكمال شهرته؛ ونباهته؛ لا سيما عند ذكر شيء من صفاته؛ على قلبك : زيادة تقرير للتنزيل؛ ببيان محل الوحي؛ فإنه القائل الأول له؛ ومدار الفهم؛ والحفظ؛ وإيثار الخطاب على التكلم المبني على حكاية كلام الله (تعالى) بعينه؛ كما في قوله (تعالى): قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ؛ لما في النقل بالعبارة من زيادة تقرير لمضمون المقالة؛ بإذن الله : بأمره؛ وتيسيره؛ مستعار من تسهيل الحجاب؛ وفيه تلويح بكمال توجه جبريل - عليه السلام - إلى تنزيله؛ وصدق عزيمته - عليه السلام -؛ وهو حال من فاعل "نزله"؛ وقوله (تعالى): مصدقا لما بين يديه : أي: من الكتب الإلهية التي معظمها التوراة؛ حال من مفعوله؛ وكذا قوله (تعالى): وهدى وبشرى للمؤمنين ؛ والعامل في الكل "نزله"؛ والمعنى: من عادى جبريل من أهل الكتاب فلا وجه لمعاداته ؛ بل يجب عليه محبته؛ فإنه نزل عليك كتابا مصدقا لكتبهم؛ أو فالسبب في عداوته تنزيله لكتاب مصدق لكتابهم؛ موافق له؛ وهم له كارهون؛ ولذلك حرفوا كتابهم؛ وجحدوا موافقته له؛ لأن الاعتراف بها يوجب الإيمان به؛ وذلك يستدعي انتكاس أحوالهم؛ وزوال رياستهم؛ وقيل: إن الجواب: فقد خلع ربقة الإنصاف؛ أو فقد كفر بما معه من الكتب؛ أو فليمت غيظا؛ أو فهو عدو لي؛ وأنا عدو له.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية