الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1784 (باب كراهية استعمال آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم)

                                                                                                                              وذكره النووي في الباب المتقدم.

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 177 - 180 ج 7 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه قال اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا: والله! لو بعثنا هذين الغلامين (قالا لي وللفضل بن عباس) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه فأمرهما على هذه الصدقات، فأديا ما يؤدي الناس وأصابا مما يصيب الناس! قال: فبينما هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما، فذكرا له ذلك، فقال علي بن أبي طالب: لا تفعلا. فوالله! ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال: والله! ما تصنع هذا إلا نفاسة [ ص: 503 ] منك علينا. فوالله! لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نفسناه عليك قال: علي: أرسلوهما. فانطلقا، واضطجع علي قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى جاء، فأخذ بآذاننا ثم قال: "أخرجا ما تصرران" ثم دخل ودخلنا عليه، وهو يومئذ عند زينب بنت جحش قال: فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا، فقال: يا رسول الله! أنت أبر الناس وأوصل الناس. وقد بلغنا النكاح. فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون. قال: فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه. قال: وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب: أن لا تكلماه. قال: ثم قال: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس. ادعوا لي محمية (وكان على الخمس) ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب" قال: فجاءاه، فقال: لمحمية: أنكح هذا الغلام ابنتك (للفضل بن عباس) فأنكحه.

                                                                                                                              وقال لنوفل بن الحارث: "أنكح هذا الغلام ابنتك" (لي) فأنكحني.

                                                                                                                              وقال لمحمية: "أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا"
                                                                                                                              .

                                                                                                                              قال الزهري: ولم يسمه لي.]

                                                                                                                              [ ص: 504 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 504 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث، قال: اجتمع ربيعة بن الحارث، والعباس بن عبد المطلب. فقالا: والله! لو بعثنا هذين الغلامين "قالا لي وللفضل بن عباس": إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه فأمرهما على هذه الصدقات، فأديا ما يؤدي الناس، وأصابا مما يصيب الناس! قال: فبينما هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب، فوقف عليهما فذكرا له ذلك. فقال علي بن أبي طالب: لا تفعلا.

                                                                                                                              فوالله! ما هو بفاعل. فانتحاه) معناه: عرض له وقصده (ربيعة بن الحارث، فقال: والله ! ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا.) أي حسدا منك لنا.

                                                                                                                              (فوالله ! لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما نفسناه عليك) . بكسر الفاء. أي: ما حسدناك ذلك.

                                                                                                                              [ ص: 505 ] (قال علي: أرسلوهما. فانطلقا، واضطجع علي. قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتى جاء، فأخذ بآذاننا، ثم قال: "أخرجا ما تصرران") .

                                                                                                                              هكذا في معظم الأصول. وهو الذي ذكره الهروي، والمازري، وغيرهما؛ من أهل الضبط: " بضم التاء وفتح الصاد وكسر الراء، وبعدها راء أخرى." ومعناه: تجمعانه في صدوركما من الكلام. وكل شيء أجمعته، فقد صررته.

                                                                                                                              ووقع في بعض النسخ: " تسرران " بالسين. من السر. أي: ما تقولانه لي سرا.

                                                                                                                              وذكر عياض فيه أربع روايات، هاتين الثنتين. والثالثة: تصدران. أي: ماذا ترفعان إلي؟ وهذه رواية السمرقندي.

                                                                                                                              والرابعة: تصوران، بفتح الصاد وكسر الواو. وهكذا ضبطه الحميدي.

                                                                                                                              قال عياض : وروايتنا عن أكثر شيوخنا: بالسين. واستبعد رواية الدال.

                                                                                                                              قال النووي : والصحيح: بالصاد والراءين. ورجحه صاحب المطالع.

                                                                                                                              [ ص: 506 ] (ثم دخل ودخلنا عليه، وهو يومئذ عند زينب بنت جحش. قال: فتواكلنا الكلام. ثم تكلم أحدنا، فقال: يا رسول الله ! أنت أبر الناس وأوصل الناس. وقد بلغنا النكاح) .

                                                                                                                              أي: الحلم. كقوله تعالى: حتى إذا بلغوا النكاح . (فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدي إليك كما يؤدي الناس، ونصيب كما يصيبون.

                                                                                                                              قال: فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه. قال: وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب) .

                                                                                                                              بضم التاء وإسكان اللام وكسر الميم. ويجوز فتح التاء والميم. يقال: ألمع ولمع، إذا أشار بثوبه أو يده.

                                                                                                                              (أن لا تكلماه. قال: ثم قال: " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد") .

                                                                                                                              وفي الرواية الأخرى: (ثم قال لنا: " إن هذه الصدقات، إنما هي أوساخ الناس. وإنها لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد) صلى الله عليه وآله وسلم.

                                                                                                                              فيه: دليل على أنها محرمة عليهم، سواء كانت بسبب العمل، أو بسبب الفقر والمسكنة، وغيرهما: من الأسباب الثمانية.

                                                                                                                              قال النووي : وهذا هو الصحيح عند أصحابنا. وجوز بعضهم [ ص: 507 ] لبني هاشم، وبني المطلب: العمل عليها بسهم العامل؛ لأنه إجارة.

                                                                                                                              قال: وهذا ضعيف أو باطل. وهذا الحديث صريح في رده.

                                                                                                                              وقال الشوكاني في (السيل الجرار) : يدل على تحريمها على العامل، وعدم جواز قبضه للأجرة، حديث الفضل بن الحارث.

                                                                                                                              يعني: حديث الباب هذا. أخرجه أحمد ومسلم، وغيرهما.

                                                                                                                              فهذا دليل على أنه لا يجوز للعامل على الزكاة من بني هاشم: أن يأخذ عمالته.

                                                                                                                              فإنهما قد بينا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنهما إنما يريدان أن يعملا على الزكاة، ويصيبا منها ما يصيب غيرهما من العمال منها.

                                                                                                                              وهو أجرة العمالة.

                                                                                                                              فمنع من ذلك معللا لهما، بأنها أوساخ الناس.

                                                                                                                              قال: وأما المؤلف، فهو بالمنع من أن يأخذ من الزكاة: أولى من العامل.

                                                                                                                              لأن العامل، إنما يأخذ أجره على عمل قد عمله، والمؤلف لا عمل له على الصدقة، فلا يحل تأليفه منها، بل يعطى من غيرها.

                                                                                                                              (إنما هي أوساخ الناس) .

                                                                                                                              قال النووي : تنبيه على العلة في تحريمها: على بني هاشم، وبني المطلب .

                                                                                                                              وأنها لكرامتهم، وتنزيههم عن الأوساخ.

                                                                                                                              ومعنى أوساخ الناس: أنها تطهيره لأموالهم ونفوسهم. كما قال تعالى:

                                                                                                                              [ ص: 508 ] خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها .

                                                                                                                              فهي: كغسالة الأوساخ.

                                                                                                                              (ادعوا لي محمية) بن جزء. وهو رجل من بني أسد. والمحفوظ: أنه من بني زبيد.

                                                                                                                              وقيل: "جزي". وقيل: "جز" مشدد الزاي.

                                                                                                                              (وكان على الخمس) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، استعمله على الأخماس) .

                                                                                                                              (ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب. قال: فجاءاه فقال لمحمية:

                                                                                                                              "أنكح هذا الغلام ابنتك"، للفضل بن عباس. فأنكحه. وقال لنوفل ابن الحارث: " أنكح هذا الغلام ابنتك " "لي". فأنكحني. وقال لمحمية: "أصدق عنهما من الخمس".)

                                                                                                                              يحتمل أن يريد: من سهم ذوي القربى من الخمس؛ لأنهما من ذوي القربى.

                                                                                                                              ويحتمل أن يريد: من سهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الخمس.

                                                                                                                              [ ص: 509 ] ("كذا وكذا"، قال الزهري: ولم يسمه لي)




                                                                                                                              الخدمات العلمية