الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الطيرة

                                                                                                                                                                                                        5421 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا عثمان بن عمر حدثنا يونس عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث في المرأة والدار والدابة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب الطيرة ) بكسر المهملة وفتح التحتانية وقد تسكن ، هي التشاؤم بالشين ، وهو مصدر تطير مثل تحير حيرة . قال بعض أهل اللغة لم يجئ من المصادر هكذا غير هاتين ، وتعقب بأنه سمع طيبة ، وأورد بعضهم التولة وفيه نظر ، وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر ، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع ، وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير فيعتمدها ، فجاء الشرع بالنهي عن ذلك ، وكانوا يسمونه السانح بمهملة ثم نون ثم حاء مهملة ، والبارح بموحدة وآخره مهملة ، فالسانح ما ولاك ميامنه بأن يمر عن يسارك إلى يمينك ، والبارح بالعكس . وكانوا يتيمنون بالسانح ويتشاءمون بالبارح ، لأنه لا يمكن رميه إلا بأن ينحرف إليه ، وليس في شيء من سنوح الطير وبروحها ما يقتضي ما اعتقدوه ، وإنما هو تكلف بتعاطي ما لا أصل له ، إذ لا نطق للطير ولا تمييز فيستدل بفعله على مضمون معنى فيه ، وطلب العلم من غير مظانه جهل من فاعله ، وقد كان بعض عقلاء الجاهلية ينكر التطير ويتمدح بتركه ، قال شاعر منهم :

                                                                                                                                                                                                        ولقد غدوت وكنت لا أغدو على واق وحاتم فإذا الأشائم كالأيامن
                                                                                                                                                                                                        والأيامن كالأشائم

                                                                                                                                                                                                        وقال آخر :

                                                                                                                                                                                                        الزجر والطير والكهان كلهم مضللون ودون الغيب أقفال

                                                                                                                                                                                                        وقال آخر : [ ص: 224 ]

                                                                                                                                                                                                        وما عاجلات الطير تدني من الفتى نجاحا ، ولا عن ريثهن قصور

                                                                                                                                                                                                        وقال آخر :

                                                                                                                                                                                                        لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ولا زاجرت الطير ما الله صانع

                                                                                                                                                                                                        وقال آخر :

                                                                                                                                                                                                        تخير طيرة فيها زياد لتخبره وما فيها خبير
                                                                                                                                                                                                        تعلم إنه لا طير إلا على متطير وهو الثبور
                                                                                                                                                                                                        بلى شيء يوافق بعض شيء أحايينا ، وباطله كثير



                                                                                                                                                                                                        وكان أكثرهم يتطيرون ويعتمدون على ذلك ويصح معهم غالبا لتزيين الشيطان ذلك ، وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين . وقد أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أنس رفعه " لا طيرة ، والطيرة على من تطير " وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " ثلاثة لا يسلم منهن أحد : الطيرة ، والظن ، والحسد . فإذا تطيرت فلا ترجع ، وإذا حسدت فلا تبغ ، وإذا ظننت فلا تحقق " وهذا مرسل أو معضل ، لكن له شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البيهقي في " الشعب " وأخرج ابن عدي بسند لين عن أبي هريرة رفعه " إذا تطيرتم فامضوا ، وعلى الله فتوكلوا " وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء رفعه " لن ينال الدرجات العلا من تكهن ، أو استقسم ، أو رجع من سفر تطيرا " ورجاله ثقات ، إلا أنني أظن أن فيه انقطاعا وله شاهد عن عمران بن حصين وأخرجه البزار في أثناء حديث بسند جيد ، وأخرج أبو داود والترمذي وصححه هو وابن حبان عن ابن مسعود رفعه " الطيرة شرك ، وما منا إلا تطير ، ولكن الله يذهبه بالتوكل " وقوله " وما منا إلا " من كلام ابن مسعود أدرج في الخبر ، وقد بينه سليمان بن حرب شيخ البخاري فيما حكاه الترمذي عن البخاري عنه ، وإنما جعل ذلك شركا لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعا أو يدفع ضرا ، فكأنهم أشركوه مع الله - تعالى - ، وقوله " ولكن الله يذهبه بالتوكل " إشارة إلى أن من وقع له فسلم لله ولم يعبأ بالطيرة أنه لا يؤاخذ بما عرض له من ذلك . وأخرج البيهقي في " الشعب " من حديث عبد الله بن عمرو موقوفا " من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل : اللهم لا طير إلا طيرك ، ولا خير إلا خيرك ، ولا إله غيرك " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا عدوى ، ولا طيرة ، والشؤم في ثلاث ) قد تقدم شرح هذا الحديث وبيان اختلاف الرواة في سياقه في كتاب الجهاد ، والتطير والتشاؤم بمعنى واحد ، فنفى أولا بطريق العموم كما نفى العدوى ، ثم أثبت الشؤم في الثلاثة المذكورة ، وقد ذكرت ما قيل في ذلك هناك . وقد وقع في حديث سعد بن أبي وقاص عند أبي داود بلفظ " وإن كانت الطيرة في شيء " الحديث .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية