الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          10 - باب النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر

                                                                                                          510 513 - ( مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي ) بضم المهملة وفتح النون وكسر الموحدة ، نسبة إلى صنابح بطن من مراد ، هكذا قال جمهور الرواة عن مالك ، عبد الله بلا أداة كنية ، وقالت طائفة ، منهم : مطرف وإسحاق بن عيسى الطباع : عن أبي عبد الله الصنابحي بأداة الكنية ، قال ابن عبد الرحمن : وهو الصواب ، وهو عبد الرحمن بن عسيلة ، تابعي ثقة ، ورواه زهير بن محمد ، عن زيد ، عن عطاء ، عن عبد الله الصنابحي قال : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وهو خطأ فالصنابحي لم يلقه ، كذا قال تبعا لنقل الترمذي [ ص: 63 ] عن البخاري أن مالكا وهم في قوله عبد الله وإنما هو أبوه عبد الله واسمه عبد الرحمن تابعي ، قال في الإصابة : وظاهره أن عبد الله الصنابحي لا وجود له ، وفيه نظر فقد قال يحيى بن معين : عبد الله الصنابحي روى عنه المدنيون يشبه أن له صحبة ، وقال ابن السكن : يقال : له صحبة مدني ، ورواية مطرف والطباع عن مالك شاذة ، ولم ينفرد به مالك بل تابعه حفص بن ميسرة ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله الصنابحي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ، فذكره ، وكذا زهير بن محمد عند ابن منده قال : وكذا تابعه محمد بن جعفر بن أبي كثير ، وخارجة بن مصعب الأربعة عن زيد . وأخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل بن الحارث وابن منده من طريق إسماعيل الصائغ كلاهما عن مالك عن زيد به مصرحا فيه بالسماع . وروى زهير بن محمد وأبو غسان محمد بن مطرف ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء ، عن عبد الله الصنابحي ، عن عبادة حديثا آخر في الوتر أخرجه أبو داود ، فورود عبد الله الصنابحي في هذا الحديث من رواية هذين عن شيخ مالك بمثل روايته ، ومتابعة الأربعة له وتصريح اثنين منهما بالسماع يدفع الجزم بوهم مالك فيه ، انتهى ملخصا . وفيه إفادة أن زهير بن محمد لم ينفرد بتصريحه بالسماع فليس بخطأ كما زعم ابن عبد البر .

                                                                                                          ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان ) قال الخطابي : قيل معناه مقارنة الشيطان لها عند دنوها للطلوع والغروب ويؤيده قوله : ( فإذا ارتفعت فارقها ) وما بعده فنهي عن الصلاة في هذه الأوقات لذلك ، وقيل معنى قرنه قوته من قولك : أنا مقرن لهذا الأمر أي مطيق له قوي عليه ، وذلك أن الشيطان إنما يقوى أمره في هذه الأوقات ; لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات ، وقيل قرنه حزبه وأصحابه الذين يعبدون الشمس ، وقيل إن الشيطان يقابلها عند طلوعها وينتصب دونها حتى يكون طلوعها بين قرنيه وهما جانبا رأسه فينقلب سجود الكفار للشمس عبادة له ( ثم إذا استوت قارنها ) بالنون ( فإذا زالت فارقها ) بالقاف ، ولمسلم عن عقبة : وحين يقوم قائم الظهيرة حتى ترتفع ، وله عن عمرو بن عبسة : حتى يستقل الظل بالرمح فإذا أقبل الفيء فصل ، ولأبي داود حتى يعدل الرمح ظله ، ولابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة : حتى تستوي الشمس على رأسك كالرمح فإذا زالت فصل ، ولهذا قال الجمهور والأئمة الثلاثة بكراهة الصلاة عند الاستواء ، وقال مالك بالجواز مع روايته هذا الحديث . قال ابن عبد البر : فإما أنه لم يصح عنده ، أو رده بالعمل الذي ذكره بقوله : ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار ، انتهى . والثاني أولى أو متعين فإن الحديث صحيح بلا شك إذ رواته ثقات مشاهير ، وعلى تقدير أنه مرسل فقد اعتضد بأحاديث عقبة وعمرو وقد صححهما مسلم كما رأيت [ ص: 64 ] وبحديث أبي هريرة : ( فإذا دنت للغروب قارنها ) بنون تليها هاء ( فإذا غربت فارقها ) بقاف قبل الهاء ( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات ) الثلاث نهي تحريم في الطرفين وكراهة في الوسط عند الجمهور في النافلة لا الفريضة ، وقالت طائفة من السلف بالإباحة مطلقا وأن أحاديث النهي منسوخة ، وبه قال داود وابن حزم وغيرهما من الظاهرية ، وحكي عن طائفة المنع مطلقا في جميع الصلوات ، وصح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة منع صلاة الفرض في هذه الأوقات ، وقال الشافعي بجواز الفرائض وما له سبب من النوافل . وقال أبو حنيفة يحرم الجميع سوى عصر يومه ، وتحرم المنذورة أيضا ، وقال مالك وأحمد : يحرم النوافل دون الفرائض .




                                                                                                          الخدمات العلمية