الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الحجة السادسة ) الشاهد والنكول حجة عندنا خلافا للشافعي لنا وجوه : ( الأول ) أن النكول سبب مؤثر في الحكم فيحكم به مع الشاهد كاليمين من المدعي ، وتأثيره أن يكون المدعى عليه ينقل اليمين للمدعي . ( الثاني ) أن الشاهد أقوى من يمين المدعي بدليل أنه يرجع لليمين عند عدم الشاهد . ( الثالث ) أن الشاهد يدخل في الحقوق كلها بخلاف اليمين احتجوا بوجوه : ( الأول ) بأن السنة إنما وردت بالشاهد واليمين ، وهو تعظيم الله تعالى ، والنكول لا تعظيم فيه . ( وثانيها ) أن الحنث فيه يوجب الكفارة ، ويذر الديار بلاقع إذا أقدم عليها غموسا ، وليس كذلك النكول

( الثالث ) أن النكول لا يكون [ ص: 92 ] أقوى حجة من جحده أصل الحق ، وجحده لا يقضى به مع الشاهد فإنه يكون قضاء بالشاهد وحده ، وهو خلاف الإجماع فكذلك النكول ، والجواب عن الأول أن التعظيم لا مدخل له هاهنا بدليل أنه لو سبح ، وهلل ألف مرة لا يكون حجة مع الشاهد ، وإنما الحجة في إقدامه على موجب العقوبة على تقدير الكذب ، وهذا كما هو وازع ديني فالنكول فيه وازع طبيعي لأنه إذا قيل له إن حلفت برئت ، وإن نكلت غرمت فإذا نكل كان ذلك على خلاف الطبع ، والوازع الطبيعي أقوى عندنا إثارة للظنون من الوازع الشرعي بدليل أن الإقرار يقبل من البر والفاجر لكونه على خلاف الوازع الطبيعي ، والشهادة لا تقبل إلا من العدل لأن وازعها شرعي فلا يؤثر إلا في المتقين من الناس ، وعن الثاني أن الكفارة قد تكون أولى من الحق المختلف فيه المجتلب ، وهو الغالب فتقدم عليه اليمين الكاذبة لأن الوازع حينئذ إنما هو الوازع الشرعي ، وقد تقدم أنه دون الوازع الطبيعي ، وعن الثالث أن مجرد الجحد لا يقضى به عليه فلا يخافه ، والنكول يقضى به عليه بعد تقدم اليمين فخافه طبعه فظهر أن النكول أقوى من اليمين ، وأقوى من الجحد ( الحجة السابعة ) المرأتان ، والنكول عندنا خلافا للشافعي رضي الله عنه ، والمدرك هو ما تقدم سؤالا وجوابا ، وعمدته أنه قياس على اليمين بطريق الأولى كما تقدم تقريره .

التالي السابق


حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الباب السادس ) في بيان ما تكون فيه الحجة السادسة والسابعة ، والخلاف في قبولها ، ودليله ، وفيه وصلان

( الوصل الأول ) في تبصرة ابن فرحون الشاهد ، والنكول يجري في كل موضع يقبل فيه الشاهد واليمين ، والمرأتان ، واليمين صورة ذلك أن يشهد على المدعى عليه شاهد وامرأتان فإذا توجهت اليمين على المدعي وردها على المدعى عليه فإن نكل [ ص: 151 ] عن اليمين قضي عليه بنكوله ، وليس له أن يردها على المدعي لأن اليمين المردودة لا ترد قال فينبغي للحاكم أن يبين للمدعى عليه حكم النكول إن كانت الدعوى في مال بل ، وحكمه أيضا إن كانت في طلاق أو عتق فقد اختلف في القضاء بالشاهد ، والنكول في الطلاق والعتاق فعن مالك في ذلك روايتان ، وقال قبل بأوراق إذا ادعى العبد أو الأمة العتق ، وأقام أحدهما شاهدا حلف السيد فإن نكل فقيل يعتق عليه ، وقيل يسجن حتى يحلف ، وقيل يخلى من السجن إذا طول ، والطول سنة قال وإن أقامت المرأة شاهدا بالطلاق ، وأنكر الزوج حلف ، وخلى بينه وبينها ، وإن نكل سجن حتى يحلف أو يطول أمره ، والطول في ذلك سنة ، وقيل يسجن أبدا حتى يحلف أو يطلق ، وقيل يطلق عليه لتمام أربعة أشهر لمشابهته الإيلاء ا هـ .

( الوصل الثاني ) في الأصل الشاهد والنكول حجة عندنا خلافا للشافعي لنا وجوه

( الأول ) أن النكول سبب مؤثر في الحكم فيحكم به مع الشاهد كاليمين من المدعي ، وتأثيره أن يكون المدعى عليه ينقل اليمين للمدعي

( الثاني ) أن الشاهد أقوى من يمين المدعي بدليل أنه يرجع لليمين عند عدم الشاهد

( الثالث ) أن الشاهد يدخل في الحقوق كلها بخلاف اليمين .

وأما الوجوه التي احتجوا بها : ( فالأول ) أن السنة إنما وردت بالشاهد واليمين ، وهو تعظيم الله تعالى ، ولا تعظيم في النكول ، وجوابه أن التعظيم لا مدخل له هنا بدليل أنه لو سبح ، وهلل ألف مرة لا يكون حجة مع الشاهد ، وإنما الحجة في إقدامه على موجب العقوبة على تقدير الكذب ، وهذا كما هو وازع ديني أما النكول ففيه وازع طبيعي لأنه إذا قيل له إن حلفت برئت ، وإن نكلت غرمت فإذا نكل كان ذلك على خلاف الوزاع الطبيعي ، والوزاع الطبيعي أقوى ألا ترى أن الشهادة لا تقبل إلا من العدل لأن وازعها شرعي فلا يؤثر إلا في المتقين من الناس ؟

( والوجه الثاني ) أن الحنث في اليمين يوجب الكفارة ويذر الديار

بلاقع إذا أقدم عليها غموسا ، وليس كذلك النكول ، وجوابه أن الكفارة قد تكون أولى من الحق المختلف فيه والمجتلب ، وهو الغالب فقدم عليه اليمين الكاذبة لأن الوازع حينئذ إنما هو الوازع الشرعي ، وقد تقدم أنه دون الوزاع الطبيعي

( والوجه الثالث ) أن النكول لا يكون أقوى حجة من جحده أصل الحق ، وجحده لا يقضي به مع الشاهد ، وإلا كان قضاء مع الشاهد وحده ، وهو خلاف الإجماع فكذلك النكول ، وجوابه أن مجرد الجحد لا يقضي به عليه فلا يخافه ، والنكول يقضي به عليه بعدم تقدم اليمين فيخافه طبعه فظهر أن النكول أقوى من اليمين ، وأقوى من الجحد قال الأصل والمرأتان ، والنكول عندنا أيضا خلافا للشافعي رضي الله عنه والمدرك هو ما تقدم سؤالا وجوابا ، وعمدته أنه قياس على اليمين بطريق الأولى كما تقدم تقريره ا هـ ، وسلمه أبو القاسم بن الشاط ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية