الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1635 (باب في زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير)

                                                                                                                              وقال النووي : (باب زكاة الفطر) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 57 - 58 ج 7 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ (عن) (ابن عمر) (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس: صاعا من تمر. أو صاعا من شعير. على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              قال النووي : اختلف الناس في معنى: " فرض " هنا.

                                                                                                                              فقال جمهورهم من السلف والخلف: معناه: ألزم وأوجب.

                                                                                                                              فزكاة الفطر، فرض واجب عندهم. لدخولها في عموم قوله تعالى: [ ص: 513 ] وآتوا الزكاة .

                                                                                                                              ولقوله: "فرض"، وهو غالب في استعمال الشرع بهذا المعنى.

                                                                                                                              وقال إسحاق بن راهويه: إيجاب زكاة الفطر، كالإجماع.

                                                                                                                              وقال بعض أهل العراق، وبعض أصحاب مالك، وبعض أصحاب الشافعي، وداود في آخر أمره: إنها سنة، ليست بواجبة.

                                                                                                                              قالوا: ومعنى "فرض"، قدر على سبيل الندب.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : هي واجبة ليست فرضا. بناء على مذهبه في الفرق بين الواجب والفرض. انتهى.

                                                                                                                              وأقول: قد ثبت بلفظ: " صدقة الفطر، واجب على كل مسلم".

                                                                                                                              وفي بعض أحاديث الصحيحين بلفظ: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر".

                                                                                                                              فوجوبها لا شك فيه، ولا شبهة.

                                                                                                                              قال في "السيل الجرار ": ولا يقدح في ذلك، ما أخرجه النسائي عن قيس بن سعد:

                                                                                                                              (قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر، قبل أن تنزل الزكاة. فلما نزلت الزكاة، لم يأمرنا ولم ينهنا. ونحن نفعله) .

                                                                                                                              [ ص: 514 ] فإن في إسناده راويا مجهولا. فلا تقوم به الحجة.

                                                                                                                              وعلى التسليم، فلا دليل فيه على النسخ؛ لأن الأمر الأول يكفي، ولا يحتاج إلى تجديد.

                                                                                                                              وقد نقل ابن المنذر وغيره: الإجماع على وجوب صدقة الفطر.

                                                                                                                              قال في "الفتح": وفي نقل الإجماع نظر؛ لأن إبراهيم بن علية، وأبا بكر بن كيسان الأصم، قالا: إن وجوبها نسخ. انتهى.

                                                                                                                              ولا يخفاك أنهما ليسا ممن يتكلم في النسخ، ولا يعتد بقولهما.

                                                                                                                              ولكنه قد روي عن أشهب: أنها "سنة مؤكدة".وهو قول بعض أهل الظاهر، وابن الليان من الشافعية.

                                                                                                                              والأدلة الصحيحة ترد عليهم، وتدفع قولهم. انتهى.

                                                                                                                              قال النووي : وقال بعضهم: (الفطرة) منسوخة بالزكاة.

                                                                                                                              قلت: هذا غلط صريح. والصواب: أنها فرض واجب.

                                                                                                                              وفي قوله: "من رمضان "، إشارة إلى وقت وجوبها.

                                                                                                                              وفيه: خلاف العلماء.

                                                                                                                              والصحيح: أنها تجب بغروب الشمس، ودخول أول جزء من ليلة عيد الفطر.

                                                                                                                              [ ص: 515 ] قال: وعند أبي حنيفة، تجب بطلوع الفجر. انتهى.

                                                                                                                              قال: وأخذ داود بظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " على كل حر وعبد". فأوجبها على العبد بنفسه، وأوجب على السيد تمكينه من كسبها.

                                                                                                                              ومذهب الجمهور: وجوبها على سيده عنه.

                                                                                                                              وفي الحديث: دليل على أنها تجب على أهل القرى، والأمصار، والبوادي، والشعاب، وكل مسلم حيث كان. لقوله: "على الناس".

                                                                                                                              وبه قال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وجماهير العلماء.

                                                                                                                              وعن عطاء والزهري، والليث: أنها لا تجب إلا على أهل الأمصار والقرى. دون البوادي.

                                                                                                                              وفيه: دليل للجمهور، على أنها تجب على من ملك فاضلا عن قوته، وقوت عياله، يوم العيد.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : لا تجب على من يحل له أخذ الزكاة.

                                                                                                                              وفي قوله: (ذكر أو أنثى) حجة للكوفيين، في أنها تجب على الزوجة في نفسها، ويلزمها إخراجها من مالها.

                                                                                                                              وعند مالك، والشافعي، والجمهور: يلزم الزوج فطرة زوجته، لأنها تابعة للنفقة.

                                                                                                                              وظاهر الحديث، مع أهل الكوفة.

                                                                                                                              [ ص: 516 ] وقوله: " من المسلمين"، صريح في أنها: لا تخرج إلا عن مسلم.

                                                                                                                              وتأول الطحاوي فقال: المراد: " من المسلمين": السادة، دون العبيد. وهذا يرده ظاهر الحديث.

                                                                                                                              وفي قوله: " صاعا من كذا. وصاعا من كذا "، دليل على أن الواجب في " الفطرة " عن كل نفس: صاع، ولو من حنطة.

                                                                                                                              وبه قال الشافعي، ومالك، والجمهور.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : نصف صاع. لحديث معاوية المذكور بعد هذا، في مسلم.

                                                                                                                              وحجة الجمهور: حديث أبي سعيد، بعد هذا.

                                                                                                                              وقد ذكر الشوكاني في شرحه " للمنتقى": أن الأحاديث الواردة، بأن "الفطرة " نصف صاع من الحنطة، تنتهض بمجموعها.

                                                                                                                              وذكر الكلام على ما ذكره أبو سعيد، فليرجع إليه.

                                                                                                                              قال في " السيل": وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة. منهم: عثمان، وعلي، وأبو هريرة، وابن عباس، وجابر، وابن الزبير، وأمه أسماء بنت أبي بكر.

                                                                                                                              كما حكى ذلك عنهم ابن المنذر . قال ابن حجر : بأسانيد صحيحة.

                                                                                                                              قال: وأما الصبي يخرج عنه وليه. وكذا المجنون.

                                                                                                                              وأما الزوجة تخرج من مالها، إذا كان لها مال.

                                                                                                                              [ ص: 517 ] فإن لم يكن لها مال، ولا للصبي ولا للمجنون مال، فالظاهر عدم الوجوب.




                                                                                                                              الخدمات العلمية