الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة قرأ الجمهور "يتوفى" بالياء . ؟ وقرأ ابن عامر "تتوفى" بتاءين . قال المفسرون: نزلت في الرهط الذين قالوا: "غر هؤلاء دينهم" . وفي المراد بالملائكة ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: ملك الموت وحده ، قاله مقاتل . والثاني: ملائكة العذاب ، قاله أبو سليمان الدمشقي . والثالث: الملائكة الذين قاتلوا يوم بدر ، ذكره الماوردي .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله: يضربون وجوههم وأدبارهم أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: يضربون وجوههم ببدر لما قاتلوا ، وأدبارهم لما انهزموا . [ ص: 369 ] والثاني: أنهم جاؤوهم من بين أيديهم ومن خلفهم ، فالذين أمامهم ضربوا وجوههم ، والذين وراءهم ضربوا أدبارهم .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: يضربون وجوههم يوم القيامة إذا لقوهم ، وأدبارهم إذا ساقوهم إلى النار .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: أنهم يضربون وجوههم وأدبارهم عند الموت بسياط من نار . وهل المراد نفس الوجوه والأدبار ، أم المراد ما أقبل من أبدانهم وأدبر؟ فيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله: وذوقوا عذاب الحريق قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه في الدنيا; وفيه إضمار "يقولون" فالمعنى: يضربون ويقولون ، كقوله: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل [البقرة:127] ربنا أي: ويقولان . قال النابغة:


                                                                                                                                                                                                                                      كأنك من جمال بني أقيش يقعقع خلف رجليه بشن



                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: كأنك جمل من جمال لبني أقيش ، هذا قول الفراء وأبي عبيدة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن الضرب لهم في الدنيا ، فإذا وردوا يوم القيامة إلى النار ، قال خزنتها: ذوقوا عذاب الحريق ، هذا قول مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية