الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [51] الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون

                                                                                                                                                                                                                                      " الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا أي: مما زينه لهم الشيطان.

                                                                                                                                                                                                                                      واللهو: كل ما صد عن الحق، واللعب: كل أمر باطل، أي: ليس دينهم في الحقيقة إلا ذلك، إذ هو دأبهم وديدنهم وغرتهم الحياة الدنيا " بزخارفها العاجلة، فلم يعملوا فاليوم ننساهم " أي: نتركهم ترك المنسي، فلا نرحمهم بما نرحم به من عمل للآخرة. كما نسوا لقاء يومهم هذا " أي: كما فعلوا بلقائه، فعل الناسين، فلم يخطروه ببالهم، ولم يهتموا به.

                                                                                                                                                                                                                                      لطيفة:

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشهاب : ننساهم " تمثيل، شبه معاملته تعالى مع هؤلاء بالمعاملة مع من لا يعتد به، ويلتفت إليه، فينسى، لأن النسيان لا يجوز على الله تعالى، أي: لأنه تعالى لا يشذ عن علمه شيء، كما قال: في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى والنسيان يستعمل بمعنى الترك كثيرا في لسان العرب . ويصح هنا أيضا، فيكون استعارة تحقيقية، أو مجازا مرسلا؛ وكذا نسيانهم لقاء الله أيضا، لأنهم لم يكونوا ذاكري الله حتى ينسوه، فشبه عدم إخطارهم لقاء الله والقيامة ببالهم، وقلة مبالاتهم بحال من عرف شيئا، ثم نسيه، وليست الكاف للتشبيه، بل للتعليل، ولا مانع من التشبيه أيضا. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 2697 ] وقال تعالى: وما كانوا بآياتنا يجحدون أي: وكما كانوا منكرين أنها من عند الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      روى الترمذي عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقول الله: ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا، وسخرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع، فكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا؟ قال فيقول: لا ! فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني » .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي حديث أبي هريرة عند مسلم : « فيلقى العبد ربه، فيقول: أي فل ! ألم أكرمك [ ص: 2698 ] وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأتركك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى يا رب ! فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: إني أنساك كما نسيتني ! » .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أخبر تعالى عن خسارتهم في الآخرة ذكر أنه أزاح عللهم في الدنيا بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، فقال سبحانه:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية