الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا ، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من حكم خلقه عيسى من امرأة بغير زوج ليجعل ذلك آية للناس ، أي علامة دالة على كمال قدرته ، وأنه تعالى يخلق ما يشاء كيف [ ص: 389 ] يشاء : إن شاء خلقه من أنثى بدون ذكر كما فعل بعيسى ، وإن شاء خلقه من ذكر بدون أنثى كما فعل بحواء ، كما نص على ذلك في قوله : وخلق منها زوجها [ 4 \ 1 ] ، أي : خلق من تلك النفس التي هي آدم زوجها حواء ، وإن شاء خلقه بدون الذكر والأنثى معا كما فعل بآدم ، وإن شاء خلقه من ذكر وأنثى كما فعل بسائر بني آدم ، فسبحان الله العظيم القادر على كل شيء ، وما ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة من كونه جعل عيسى آية حيث ولدته أمه من غير زوج ، أشار له أيضا في " الأنبياء " بقوله : وجعلناها وابنها آية للعالمين [ 21 \ 91 ] ، وفي " الفلاح " بقوله : وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما الآية [ 23

                                                                                                                                                                                                                                      ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : ولنجعله آية للناس [ 19 \ 21 ] ، فيه حذف دل المقام عليه ، قال الزمخشري في الكشاف : ولنجعله آية للناس تعليل معلله محذوف ، أي : ولنجعله آية للناس فعلنا ذلك ، أو هو معطوف على تعليل مضمر ، أي : لنبين به قدرتنا ولنجعله آية ، ونحوه : وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت [ 45 \ 22 ] ، وقوله : وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه [ 12 \ 21 ] اهـ .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله في هذه الآية : ورحمة منا ، أي : لمن آمن به ، ومن كفر به فلم يبتغ الرحمة لنفسه ، كما قال تعالى في نبينا صلى الله عليه وسلم : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [ 21 \ 107 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : وكان أمرا مقضيا [ 19 \ 21 ] ، أي : وكان وجود ذلك الغلام منك أمرا مقضيا ، أي : مقدرا في الأزل ، مسطورا في اللوح المحفوظ لا بد من وقوعه ، فهو واقع لا محالة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية