الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          96 - فصل

                          [ ما يلزموا به من اللباس وما شابه ذلك من أجل تمييزهم عن المسلمين ]

                          وأما الغيار فلم يلزموا به في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما اتبع فيه أمر عمر رضي الله عنه ، وكان بدء أمره أن خالد بن عرفطة أمير الكوفة جاءت إليه امرأة نصرانية وأسلمت ، فذكرت أن زوجها يضربها على النصرانية ، وأقامت على ذلك بينة ، فضربه خالد وحلقه ، وفرق بينه وبينها فشكاه النصراني إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأشخصه وسأله عن ذلك ، فقص عليه القصة فقال : الحكم ما حكمت به ، وكتب إلى الأمصار أن يجزوا نواصيهم ، ولا يلبسوا لبسة المسلمين حتى يعرفوا من بينهم .

                          وكيف يجوز أن يستعان بهم على شيء أو يؤتمنوا على أمر من أمور المسلمين ، وقد سموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذراع ؟ ! .

                          [ ص: 492 ] ولما حضرته الوفاة قال : " ما زالت أكلة خيبر تعاودني ، وهذا أوان انقطاع أبهري " .

                          وقد رأى أمير المؤمنين - لقيامه بما استحفظ من أمور الديانة وحفظ نظامها ، ولانتصابه لمصالح أمة جعله الله رأسها وإمامها ولرعاية ما يتميز به المسلمون على من سواهم ، ولجعل الكفار يعرفون بسيماهم - أن يعتمد كل من اليهود والنصارى ما يصيرون به مستذلين ممتهنين ; لأن الله تبارك وتعالى يقول : ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ، فلتستأد جزية رءوسهم أجمع من غير استثناء من حزب المشركين لأحد ، ولينبه في استخراجها والحوطة عليها إلى أبعد غاية وأمد ، وليفرق بين المسلمين وبينهم في الشبه والزي ليتميز ذوو الهداية والرشد من ذوي الضلالة والبغي ، وليوسموا بالغيار وشد الزنار وإزالة ما على المسلمين من تشبههم بهم من العار ، [ ص: 493 ] وليؤمروا بأن يغيروا من أسمائهم ما يختص به أهل الإيمان كمحمد وأحمد وأبي بكر وعمر وعلي وعثمان ، وكذلك الكنى المختصة بالمسلمين كأبي علي وأبي الحسن وأبي عبد الله وأبي الحسين ، فلتغير هذه الأسماء بما يليق بهم ويصلح لهم ، ولينسخ بالثاني المستجد السالف الأول ، وليقرر بالتعويض عنه على ما ليس فيه متأول ، ولولا أنهم لم يتقدم إليهم في ذلك بنهي ولا تحذير ، لنالهم ما لا طاقة لهم به من النكال والتدمير .

                          فليحذروا التعرض لهذا العقاب الأليم والعذاب الوبيل ، وليكن الغيار وشد الزنار مما يؤمرون به بالحضرة وبالأعمال بالديار المصرية والأقاصي من صبغ أبوابهم وعمائمهم باللون الأغبر الرصاصي ، وليؤخذ كل منهم بأن يكون زناره فوق ثيابه ، وليحذر غاية الحذر أن يرى منصرفا إلا به ، وليمنع لابسه أن يستره بردائه وليحذر الراكب منهم أن يخفيه بالجلوس عليه لإخفائه ، ولا يمكنوا من ركوب شيء من أجناس الخيل والبغال ، ولا سلوك مدافن المسلمين ولا مقابرهم في نهار ولا ليل ، ولا يفسح لأحد منهم في المراكب المحلاة ، ولتكن توابيت موتاهم مشدودة بحبال الليف مكشوفة غير مغشاة ، وليمنعوا من تعلية دورهم على دور من جاورهم من المسلمين .

                          وجملة الأمر أن ينتهي فيهم إلى قوله عز وجل : إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية