الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : يزجي سحابا فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : ينزله قليلا بعد قليل ، ومنه البضاعة المزجاة لقلتها .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه يسوقه إلى حيث شاء ومنه زجا الخراج إذا انساق إلى أهله قال النابغة:


                                                                                                                                                                                                                                        إني أتيتك من أهلي ومن وطني أزجي حشاشة نفس ما بها رمق



                                                                                                                                                                                                                                        ثم يؤلف بينه أي يجمعه ثم يفرقه عند انتشائه ليقوى ويتصل .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 113 ] ثم يجعله ركاما أي يركب بعضه بعضا .

                                                                                                                                                                                                                                        فترى الودق يخرج من خلاله فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أن الودق البرق يخرج من خلال السحاب قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        أثرن عجاجة وخرجن منها     خروج الودق من خلل السحاب



                                                                                                                                                                                                                                        وهذا قول أبي الأشهب :

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه المطر يخرج من خلال السحاب ، وهو قول الجمهور ، ومنه قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        فلا مزنة ودقت ودقها     ولا أرض أبقل أبقالها



                                                                                                                                                                                                                                        وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أن في السماء جبال برد فينزل من تلك الجبال ما يشاء فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه ينزل من السماء بردا يكون كالجبال .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أن السماء السحاب ، سماه لعلوه ، والجبال صفة السحاب أيضا سمي جبالا لعظمه فينزل منه بردا يصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء فتكون إصابته نقمة وصرفه نعمة .

                                                                                                                                                                                                                                        يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : صوت برقه .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ضوء برقه ، قاله يحيى بن سلام ومنه قول الشماخ :


                                                                                                                                                                                                                                        وما كادت إذا رفعت سناها     ليبصر ضوءها إلا البصير



                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : لمعان برقه ، قاله قتادة والصوت حادث عن اللمعان كما قال امرؤ القيس :

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 114 ]

                                                                                                                                                                                                                                        يضي سناه أو مصابيح راهب     أمال السليط بالذبال المفتل



                                                                                                                                                                                                                                        فيكون البرق دليلا على تكاثف السحاب ، ونذيرا بقوة المطر ، ومحذرا من نزول الصواعق .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : يقلب الله الليل والنهار فيه ثلاث أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : هو أن يأتي بالليل بعد النهار ويأتي بالنهار بعد الليل ، حكاه ابن عيسى .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أن ينقص من الليل ما يزيد من النهار وينقص من النهار ما يزيد في الليل ، حكاه يحيى بن سلام .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنه يغير النهار بظلمة السحاب تارة وبضوء الشمس أخرى ، ويغير الليل بظلمة السحاب مرة وبضوء القمر مرة ، حكاه النقاش . ويحتمل رابعا : أن يقلبها باختلاف ما يقدر فيهما من خير وشر ونفع وضر .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية