الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن طلق دون الثلاث ، ثم راجعها بعد زوج أنها على بقية الطلاق

ذكر ابن المبارك ، عن عثمان بن مقسم ، أنه أخبره ، أنه سمع نبيه بن وهب ، [ ص: 256 ] يحدث عن رجل من قومه ، عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في المرأة يطلقها زوجها دون الثلاث ، ثم يرتجعها بعد زوج أنها على ما بقي من الطلاق ) .

وهذا الأثر وإن كان فيه ضعيف ومجهول ، فعليه أكابر الصحابة ، كما ذكر عبد الرزاق في " مصنفه " عن مالك ، وابن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، وحميد بن عبد الرحمن ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، ( وسليمان بن يسار كلهم يقول : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت عمر بن الخطاب يقول : أيما امرأة طلقها زوجها تطليقة أو تطليقتين ، ثم تركها حتى تنكح زوجا غيره ، فيموت عنها ، أو يطلقها ثم ينكحها زوجها الأول ، فإنها عنده على ما بقي من طلاقها ) .

وعن علي بن أبي طالب ، وأبي بن كعب ، وعمران بن حصين - رضي الله عنهم - مثله .

قال الإمام أحمد : هذا قول الأكابر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - .

( وقال ابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس - رضي الله عنهم - : تعود على الثلاث ، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : نكاح جديد ، وطلاق جديد ) .

وذهب إلى القول الأول أهل الحديث ، فيهم أحمد ، والشافعي ، ومالك ، وذهب إلى الثاني أبو حنيفة ، هذا إذا أصابها الثاني ، فإن لم يصبها فهي على ما بقي من طلاقها عند الجميع ، وقال النخعي : لم أسمع فيها اختلافا ، ولو ثبت الحديث [ ص: 257 ] لكان فصل النزاع في المسألة ، ولو اتفقت آثار الصحابة ، لكانت فصلا أيضا .

وأما فقه المسألة فمتجاذب ، فإن الزوج الثاني إذا هدمت إصابته الثلاث ، وأعادتها إلى الأول بطلاق جديد ، فما دونها أولى ، وأصحاب القول الأول يقولون : لما كانت إصابة الثاني شرطا في حل المطلقة ثلاثا للأول لم يكن بد من هدمها وإعادتها على طلاق جديد ، وأما من طلقت دون الثلاث ، فلم تصادف إصابة الثاني فيها تحريما يزيله ، ولا هي شرط في الحل للأول ، فلم تهدم شيئا ، فوجودها كعدمها بالنسبة إلى الأول ، وإحلالها له ، فعادت على ما بقي ، كما لو لم يصبها ، فإن إصابته لا أثر لها البتة ، ولا نكاحه ، وطلاقه معلق بها بوجه ما ، ولا تأثير لها فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية