الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 168 ] الوسيلة الثانية : الماء ، وهو إما مطهر ، أو منجس ، أو لا مطهر ، ولا منجس ، أو مختلط من هذه الأقسام ، فهذه أربعة أقسام :

                                                                                                                القسم الأول : المطهر ، وهو الباقي على أصل خلقته على أي صفة كان من السماء ، أو الأرض ، أو البحر لقوله تعالى : ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) . وقوله : ( ليطهركم به ) . وقوله عليه السلام في الموطأ لما سأله رجل إنا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا منه عطشنا أفنتوضأ من ماء البحر قال عليه السلام : هو الطهور ماؤه الحل ميتته .

                                                                                                                قاعدة : فعول عند العرب يكون صفة نحو غفور ، وشكور ، ويكون للذي يفعل به الفعل نحو الحنوط ، والسحور ، والبخور لما يتحنط به ، ويتسحر به ، ويتبخر به ، فالطهور عندنا للذي يتطهر به متعد خلافا ح ، فإن معناه عنده طاهر ، وفائدة الخلاف كونه سبب الطهارة عندنا ، فينحصر المطهر فيه بسبب تخصيص الشرع له بالذكر ومنع القياس في الأسباب ، ولو سلم المنع هاهنا لكونه ذرع الجامع الذي هو علة في الأصل ، والأصل هاهنا ليس معللا لوجوب تطهير ما هو في غاية النظافة ، فيسقط اعتبار النبيذ وغيره عن مقام التطهير ، أو ليس سببا ، فيشاركه في الطاهرية غيره ، فلا يختص التطهير به لنا قوله تعالى : ( ليطهركم به ) . وهو نص في الباب ، ولو صح ما ذكروه لما صح جوابه عليه السلام في ماء البحر لعدم الفائدة ، ولبطل معنى قوله عليه السلام : جعلت لي الأرض مسجدا ، وترابها طهورا . لأن طهارة التراب لم تختص به عليه السلام ، وإنما الذي اختص به المطهر به .

                                                                                                                [ ص: 169 ] احتجوا بقوله تعالى : ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) . وليس في الجنة ما يتطهر به ، وبقول جرير :


                                                                                                                عذاب الثنايا ريقهن طهور

                                                                                                                والريق لا يطهر ، ولأن الأصل في فعول أن يجري على فاعل في تعديته وقصره ، وطاهر قاصر ، فطهور مثله .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أنه مجاز للمبالغة لأن الذي يتطهر به أفضل أنواع الماء ، فاستعير لشراب الجنة ترغيبا فيه ، وهذا هو الجواب عن الثاني وعن الثالث : لا نسلم أن الطهور هاهنا جار على طاهر بل بمعزل عنه ، ويوضحه استحالة قبول الطهارة للزيادة في المطر ، والبحر ، فلا يمكن إلحاقه بصبور ، وشكور ، ثم إنا لو سلمنا إمكان القياس على الماء بناء على أنه بمعنى طاهر لاندفع القياس بالفارق ، وهو ما اشتمل عليه الماء من الرقة واللطافة .

                                                                                                                فإن قالوا : الخل وماء الليمون ألطف منه .

                                                                                                                قلنا : لا نسلم ، ويدل على خلاف ذلك أن الإنسان إذا أدخل يده فيهما أحس من الممانعة ليده ما لا يحس في الماء ، ولأن أجزاء الخبز لا يفرقها واحد منهما بخلافه ، ولأن ماء الليمون إذا استعمل لزوال العرق سد المسام ، ومنع انبعاث العرق ، وأما إحالة الألوان ، فليس لرقته ، وإنما هو بإحالته لها .

                                                                                                                إذا تقرر هذا البحث ، فيلحق بالطهور لأجل الحاجة ، والأصالة المتغير بجريه على المعادن ، أو بطول المكث ، والطحلب ، والطين الكائن فيه ، وكل ما هو من قراره من التبصرة ، وما يكون عن البرد ، والجليد ، والندى ، ولا فرق بين ما تغير بالمعادن الجاري عليها ، والآنية المصنوعة منها ، وقد فرق أهل العلم بينهما ، ولا فرق ، وقد كان عليه السلام يتوضأ من الصفر ، ولم يكره أحد الوضوء من الحديد [ ص: 170 ] مع سرعة التغيير فيهما لا سيما في البلاد الحارة ، وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما يسخن له الماء في الصفر .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية