الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 348 ] باب الغسل

الغسل مصدر غسل الثوب والبدن يغسله غسلا ، والغسل بالضم اسم مصدر اغتسل يغتسل اغتسالا ؛ ولهذا كان الغالب في استعمال غسل الميت وغسل الثوب الفتح ؛ لأنك تريد الفعل المتعدي ، وتقول : غسل الجنابة وغسل الجمعة - بالضم - لأنك تريد الاغتسال ، وهو الفعل اللازم ، ولو فتحت على نية أنه يغسل بدنه للجنابة والجمعة حسن أيضا ، والغسل بالضم أيضا - الماء الذي يغتسل به ، والغسل بالكسر - ما يغسل به الرأس من خطمي ونحوه .

والأغسال على قسمين : واجبة ، ومستحبة .

فالواجبة أربعة أنواع : ولها ستة أسباب ، غسل الجنابة ، وغسل الحيض ، وغسل الميت ، وغسل الإسلام في المنصوص ، فأما غسل الحيض وغسل الميت فيذكران في بابهما .

وأما الكافر إذا أسلم فإنه يجب عليه الغسل ، سواء كان أصليا أو مرتدا ، وسواء أجنب أو لم يجنب ، وسواء اغتسل قبل الإسلام من الجنابة أو عند إرادة الإسلام أو لم يغتسل ، هذا منصوص الإمام أحمد وقول عامة أصحابه .

وذكره أبو بكر في " التنبيه " ، وقال في غير التنبيه : " لا يجب الغسل عليه ، بل يستحب ، إلا أن يكون أصابته جنابة أو حيض في حال كفره ، فيجب [ ص: 349 ] أن يغتسل غسل الجنابة والحيض إذا أسلم " سواء كان قد اغتسل في حال كفره أو لا ، وسواء أوجبنا على المرأة الذمية أن تغتسل من الحيض لزوجها أم لا ؛ لأن الخلق الكثير أسلموا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاد إلى الإسلام من ارتد في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، فلو أوجب الإسلام غسلا لنقل ذلك نقلا متواترا ؛ ولأن الإسلام أحد التوبتين ، فلم يوجب غسلا كالتوبة من المعاصي . ولنا ما روى قيس بن عاصم أنه أسلم " فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يغتسل بماء وسدر " رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي ، وقال حديث حسن .

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن ثمامة بن أثال أسلم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اذهبوا إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل " رواه أحمد ، وقال : كان ذلك مشهورا بينهم ؛ ولهذا لما أراد سعد بن معاذ وأسيد بن حضير أن يسلما سألا مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة : كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر ، قالا : " نغتسل ونشهد شهادة الحق " . وإنما [ ص: 350 ] نقل الآحاد كما نقل غسل الحيض والنفاس الآحاد ، وذلك كاف ، ثم لعل النقل ترك حين انتشر الإسلام وقبل دخول الخلق الكثير جملة واحدة ، والموجب هو الكفر السابق بشرط الإسلام ، كما أن الموجب هو خروج دم الحيض بشرط الانقطاع ؛ لأن الكافر شر من الجنب في كثير من الأحكام ، وقد علل بعض أصحابنا بأن الكافر إذا أسلم لا يخلو غالبا من جنابة سابقة ، وغسله في حال كفره لا يصح ، وكونه غير مخاطب بالغسل إذ ذاك لا يمنع ثبوت انعقاد سببه كنواقض الوضوء في حق الصبي والمجنون والكافر ، ويستحب له أن يغتسل بماء وسدر كما في الحديث ، وكما يستحب غسل الميت والحائض ، وقيل : يجب ذلك لظاهر الأمر به ، وقال أحمد : " إذا أسلم يغسل ثيابه ، ويغتسل ويتطهر بماء وسدر " ؛ لأن ثيابه مظنة ملاقاة النجاسة ، فاستحب تطهيرها ، ويستحب حلق شعره ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلا أسلم فقال له : " ألق " وفي لفظ : " احلق عنك شعر الكفر واختتن " رواه أبو داود .

وإذا أجنب الكافر ثم أسلم لم يجب عليه سوى غسل الإسلام على المشهور ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينقل عنه أنه أمر أحدا من الكفار بغسل الجنابة مع كثرة من أسلم من البالغين المتزوجين ، ولأنه قد وجب عليه الغسل بالكفر الذي هو مظنة الجنابة وغيرها ، فلم يجب عليه بالحقيقة غسل آخر ، كالنوم مع الحدث ، والوطء مع الإنزال ، وعلى قول أبي بكر يجب الغسل كما تقدم .

وأما غسل الجنابة فهو قسمان كما ذكره الشيخ رحمه الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية