الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم

                                                                                                                                                                                                هذا البلد : يعني: البلد الحرام، زاده الله أمنا، وكفاه كل باغ وظالم، وأجاب فيه دعوة خليله إبراهيم عليه السلام، "آمنا": ذا أمن.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: أي فرق بين قوله: اجعل هذا بلدا آمنا وبين قوله: اجعل هذا البلد آمنا ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: قد سأل في الأول أن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها ولا يخافون، وفي الثاني: أن يخرجه من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدها من الأمن، كأنه قال: هو بلد [ ص: 383 ] مخوف، فاجعله آمنا، واجنبني ، وقرئ: "وأجنبني" وفيه ثلاث لغات: جنبه الشر، وجنبه، وأجنبه; فأهل الحجاز يقولون: "جنبني شره" بالتشديد، وأهل نجد: "جنبني وأجنبني"، والمعنى: ثبتنا وأدمنا على اجتناب عبادتها، "وبني": أراد بنيه من صلبه، وسئل ابن عيينة : كيف عبدت العرب الأصنام ؟ فقال: ما عبد أحد من ولد إسماعيل صنما، واحتج بقوله: واجنبني وبني ، أن نعبد الأصنام ; إنما كانت أنصاب حجارة لكل قوم، قالوا: البيت حجر، فحيثما نصبنا حجرا فهو بمنزلة البيت، فكانوا يدورون بذلك الحجر ويسمونه الدوار، فاستحب أن يقال: طاف بالبيت، ولا يقال: دار بالبيت، إنهن أضللن كثيرا من الناس : فأعوذ بك أن تعصمني وبني من ذلك، وإنما جعلن مضلات; لأن الناس ضلوا بسببهن، فكأنهن أضللنهم، كما تقول: فتنتهم الدنيا وغرتهم، أي: افتتنوا بها واغتروا بسببها، فمن تبعني : على ملتي وكان حنيفا مسلما مثلي، فإنه مني أي: هو بعضي لفرط اختصاصه بي وملابسته لي، وكذلك قوله: "من غشنا فليس منا" أي: ليس بعض المؤمنين، على أن الغش ليس من أفعالهم وأوصافهم، [ ص: 384 ] ومن عصاني فإنك غفور رحيم : تغفر له ما سلف منه من عصياني إذا بدا له فيه واستحدث الطاعة لي، وقيل: معناه: ومن عصاني فيما دون الشرك.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية